وزير المالية د. إبراهيم البدوي في أول ظهور إعلامي لـ(الصيحة)
صفوف الوقود السبب فيها عدم التنظيم والتوزيع
توحيد سعر الصرف الآن كارثة حقيقية وسوف يُشعل السوق
السودان يعاني تركة ثقيلة من العقوبات خلقها النظام البائد
سنُراجع الإعفاءات الضريبية والشركات الحكومية كافة
الشعب واجَه معاناة كبيرة وواجبنا خدمته
الخرطوم : رشا التوم
تصوير : محمد نور محكر
أعلن وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د. إبراهيم أحمد البدوي، عن برنامج نهضوي للسودان يندرج تحت شعار العدالة والحرية والسلام، يمتد لفترة 10 سنوات بنهاية العام 2030م، وأكد أن البرنامج يستهدي بشعار الثورة الأبرز حرية سلام وعدالة. شعارات ثورة ديسمبر تمحورت حول رغبة الشعب السوداني، والشباب الثائر في تحقيق الحرية والعدالة، وهذا الشعار يمثل الأيقونة التي يهتدي بها البرنامج الاقتصادي لتحقيق التنمية المستدامة في القضاء على الفقر والتهميش وتحقيق الحرية الاقتصادية، مشيراً إلى تجارب البناء الوطني السابقة التي لم تعمر لأسباب متعددة، تتعلق بعدم القدرة على تحقيق واستدامة السلام وغياب مفهوم واضح للشرعية الاقتصادية، والتركيز على الشرعية الانتخابية، ولم يكن هنالك إجماع على برنامج نهضوي وطني متفق عليه، أو تنظيم الخلاف السياسي حوله.
وعقب ثورة ديسمبر المجيدة، هناك فرصة لنا أن نعمد إلى تقديم مفهوم وفكرة الشرعية الاقتصادية لجهة حشد طاقات المجتمع وفئة الشباب لاستشراف مستقبل اقتصادي نهضوي في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة.
وفي جلسة مع الإعلاميين المهتمين بالشأن الاقتصادي استقينا إجابات الوزير حول القضايا المطروحة عن البرنامج ومعاش الناس ومشكلات الوقود والنقود والجازولين وغيرها من القضايا.
*بداية عرّفنا على البرنامج الإسعافي؟
هو برنامج يعد جزءاً من حلقات متداخلة ومتلاحقة، ينقسم إلى 3 مراحل، الأولى تهدف إلى إشعال النمو الواسع العريض، ونعلم أن الاقتصاد المأزوم والمعاق مثل اقتصاد البلاد، واجه ضعفاً في الموارد وفساداً مؤسسياً ومشكلات معلومة أعاقت الاقتصاد، وعندها لم تتمكن الإدارة الاقتصادية من معالجة عدد محدود من التشوهات الخطيرة التي تؤثر على الاقتصاد مثل بناء سياسة مالية تعتمد على التمويل بالعجز التضخّمي والاستدانة من الجهاز المصرفي عن طريق طباعة النقود والتوسع في الكتلة النقدية دون مقابلتها بالإنتاج مما يشعل التضخم الانفجاري، وبنفس الوقت يؤدي إلى ما يسمى بالسقوط الحر للعملة الوطنية، وإذا تمت معالجة السياسة المالية فقط، وهي أس المشكلة وإحداث بعض التحسّن في طريقة إدارة السياسة المالية والنقدية وإعادة هيكلة الجهاز المصرفي وإجراء بعض الإصلاحات القطاعية الهامة، يمكن أن يُشعل النمو لجهة تحقيق السلام والإصلاح الاقتصادي الكلي، وهو ما نصبو إليه.
*ما هي ملامح البرنامج؟
الصفة الغالبة للسنوات الثلاث الانتقالية سنُعلن فيها عن اتخاذ بعض الترتيبات الناظمة لجهة بناء المؤسسات الناعمة منها البنية المؤسسية والقانونية والرقابية لتحسين مناخ الاستثمار وتسهيل الإجراءات الحكومية لدعم الاستثمار والقطاع الخاص والتخطيط الاستراتيجي في المشاريع الكبيرة والتركيز على الشباب والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لإطلاق النمو واستدامته، ونحتاج إلى إصلاح مؤسسي عريض، ومعالجة بعض الاختلالات ذات التأثير الكبير على الاقتصاد، واستدامة النمو للسنوات الثلاث الأولى من النظام الديمقراطي المنتخب، وهذه مسألة غير ساهلة، وسوف تشهد ذات الفترة مبادرات اقتصادية ومشروعات تقودها الدولة بمشاركة القطاع الخاص لتحقيق قيمة مضافة في السلع ذات الميزة النسبية في مجال اللحوم المذبوحة والحبوب الزيتية والصمغ العربي.
والسنوات الأربع الأخيرة من عمر البرنامج العشري سوف تشهد تحولات هيكلية عميقة، تهدف لنقل الاقتصاد السوداني لاقتصاد يستند على المعرفة والابتكار والبرامج الكبرى مثل السكك الحديد العابرة للدول والاستفادة من سواحل البحر الأحمر وربط الاقتصاد الوطني باقتصاديات دول الجوار.
*ما هي أهم أهداف البرنامج؟
إحداث نمو متواتر حوالي 10% نمو سنوي يؤدي إلى مضاعفة الناتج المحلي الحالي، ويهدف البرنامج إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة والقضاء على الفقر.
*لماذا البرنامج الإسعافي؟
البرنامج ضرورة مرحلة لمعالجة أزمة الانهيار الاقتصادي الماثلة الآن في الاقتصاد الكلي بصورة واضحة جداً في التضخم وانهيار أسعار الصرف والعجز الكبير في الموازنة. وشأن أي برنامج إسعافي فهو عبارة عن عملية جراحية عميقة، وقطعاً فيها ألم ومعاناة، ولكن لابد لصانع السياسة وزارة المالية والوزارات الأخرى والدولة العمل للحد من معاناة الشعب الذي قدم وتحمل الكثير وواجبنا خدمته.
*كيف هي ملامح البرنامج الإسعافي؟
هناك ثلاثة نماذج من برامج الإصلاح الاقتصادي الذي يمتد إلى 3 سنوات، وينقسم إلى مرحلتين من أكتوبر إلى يونيو 2020م، وخلال الشهور التسعة القادمة، نهدف إلى تحقيق إطلاق مبادرات هامة في خمسة محاور، والمنهج المتبع عبر طريق فرق العمل التي سوف تدرس وتشخّص المشاكل، وتقدّم مقترحات محددة لبرامج واجبة التنفيذ بعضها عاجل التنفيذ خلال الـ9 شهور، ومعظم البرامج مستقبلية، ولكن يجب إطلاقها الآن، وبرنامج الـ200 يوم منظومة متكاملة، وليس بالضرورة إنجازها لأن طبيعتها تحتاج إلى وقت.
*معاش الناس يمثل هاجساً للجميع ما تعليقكم؟
غلاء الأسعار وكلفة المعيشة تتم معالجتها عن طريق إجراءات ناظمة، وهناك أزمة مواصلات ونفايات وحاجة إلى تكملة الأسواق خاصة السلع القابلة للتلف، وللأسف الشديد هذه الأسواق تعطي هامش ربح غير مبرر للأنشطة الوسيطة من التجار والسماسرة، وهناك مشكلة الجغرافيا الحضرية للسيول والأمطار وضرورة ملحة لإقامة منظومة سدود صغيرة وحصاد مياه لحماية المدن والقرى، وأيضاً هناك عجز في الإنتاج الكهربائي والمياه، وهذه مشاكل تحتاج إلى معالجة عن طريق إجراءات ناظمة والاستفادة من طاقات الشباب
*مزيد من التفصيل لحل أزمة المواصلات؟
لدينا مقترح بتشكيل شراكة ذكية بين السلطات الولائية وروابط الشباب في العاصمة، بحيث تكون منظومة لمنشآت صغيرة ومتوسطة، وولاية الخرطوم تتوقع قدوم عدد كبير من البصات من تركيا وقطر، يمكن توظيف جزء منها لحل مشكلة المواصلات، والوزارة مستعدة لتقديم الدعم المالي المناسب بالتعاون مع بنك السودان وتقديم التسهيلات الإئتمانية للشركات المتوسطة والصغيرة التي يقودها الشباب لمعالجة الأزمة.
*وعن معالجة النفايات؟
أيضاً بنفس الصورة، يمكن أن ندعم برامج تقوم بها السلطات المحلية في الخرطوم والمدن الأخرى لتجسير سلسلة الإنتاج والخدمات من جمع القمامة إلى تصنيفها في المكبات إلى معالجتها وتصنيعها.
*لابد من رقابة مشددة على الأسواق التي تشهد تفلتاً كبيراً في الأسعار ؟
هناك خطة عمل واضحة من 3 مراحل، الأولى متعلقة برقابة الأسواق فيما يخص الخبز والمشتقات البترولية بالتعاون مع السلطات المختصة ورقابة شعبية في المقام الأول تستند إلى الشباب وتُدَعم من قِبل وزارة المالية.
والمرحلة الثانية: تنشيط العمل التعاوني ليلعب دوره في تكملة الأسواق وحماية المستهلك وضمان توازن في سلسلة القيمة من المنتج إلى الوسيط والمستهلك.
*ما هو الحل الجذري لحل أزمة الاقتصاد وغلاء المعيشة؟
يتمثل في تثبيت الاقتصاد الكلي وإعادة هيكلة الموازنة والقطاع المصرفي، وهناك محور رفع الجهد المالي، ونعلم أن الجهد المالي مفهوم مهم جداً، لأنه يعكس قدرة الدولة على توفير السلع والخدمات العامة، ومتوسط الجهد المالي في أفريقيا بين 12 إلى 15%، وللأسف الشديد الجهد المالي للسودان حوالي 6 إلى 7%، وهذا المؤشر كافٍ لتقرير إلى أي حد كانت هناك دولة موازية وفساد مستشرٍ على المستوى الشخصي والمؤسسي، وأيضاً إجراءات ناظمة أضعفت كثيراً من ولاية وزارة المالية على المال العام، مثل الإعفاءات ولفترة قريبة حوالي أكثر من 60% من الأنشطة الاقتصادية معفاة من الضرائب، وتم تشكيل فريق عمل عالي المستوى لمراجعة كل الإعفاءات والتجنيب من قِبل أي مؤسسة مهما كانت سيادية أو غيرها، والتقدّم بتوصيات واضحة، ووزارة المالية سوف ترفع توصيتها للمجلس التشريعي المؤقت ومجلسي السيادة والوزراء لاتخاذ القرار المناسب.
*ماهي الإجراءات لترشيد الصرف الحكومي؟
سوف نراجع في إطار ميزانية 2020م كل بنود الصرف والبنود الفرعية داخل بنود الصرف وترشيد كبير للصرف.
*وماذا عن إدارة السيولة؟
إدارة السيولة عبر نظام الخزنة الموحدة، وطلبنا تعاوناً فنياً مع البنك الدولي، وسوف نشكل فريق عمل لدراسة هذا الموضوع لأن هناك صناديق كثيرة منفلتة، وتملك استثمارات فيها بعض الإشكالات من ناحية الانضباط المالي، وفي كل الأحوال وزارة المالية هي التي تدير السيولة، ومثال صندوق المعاشات والضمان الاجتماعي والطلاب لها أهداف اجتماعية، ولكن إدارة السيولة فيها يجب أن تخضع للمعايير الخاصة بوزارة المالية للاستفادة من الأموال العامة.
*لكن موازنة العام الحالي مرّت دون أي مراجعة؟
سوف نعمل على الاهتمام بمأسسة الموازنة وإعطاء التقدير المؤسسي بحيث عند إجازتها يجب على كل وحدات الدولة الالتزام بها.
من ناحية المعلوماتية هناك برنامج يربط كل وزارات الدولة، ونظام يوضح كافة بنود الصرف، ونحن بصدد تطوير البرنامج وتفعيله للمساعدة في إدارة السيولة.
*أعلنتم الإبقاء على الدعم فماذا بشأنه
الدعم مطلوب، لأن هذا الشعب واجَه معاناة كبيرة من السياسات الاقتصادية المنفلتة والصرف غير المبرر وتمويله بصورة تضخمية، وكان لابد من دعم بعض السلع الأساسية، وسوف نستمر في الدعم، ولكن سوف يتحول إلى دعم ذكي بإجراءات رقابية، كدعم المحروقات والخبز، وهناك إجراءات ذكية تجاه الشاحنات عبر تطبيقات إلكترونية لمتابعة نقل المحروقات من المصفاة إلى الطلبمات، ووجود مباشر للشباب لمراقبة عملية توزيع الوقود واعتماد ذات الأسلوب في عملية نقل الدقيق من المطاحن إلى المخابز بالتنسيق مع السلطات الرسمية.
*وماذا عن السياسة النقدية؟
نسعى إلى تكوين مؤسسة السياسة المالية لتقليل الاستدانة من الجهاز المصرفي وبنك السودان نتيجة للإصلاحات الاقتصادية مثل الخزنة الموحدة ومراجعة الصرف ورفع الجهد المالي إلى 20% بالتنسيق مع ديوان الضرائب والجمارك، وعلى المستوى النقدي نسعى إلى تكوين احتياطي من النقد الأجنبي لبنك السودان على الأقل لعدة شهور من قيمة الواردا ت وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
*كيفية معالجة أزمة البطالة وخلق وظائف للشباب؟
هناك مشروع رائد لبنك التنمية الأفريقي بما يسمى رواد الأعمال الشباب في المجال الزراعي، وقدم البنك 20 مليون دولار لتدريب الشباب للدخول في الزراعة الحديثة بجانب 3 مشاريع كبرى تمهد لمرحلة الدعم السلعي لدعم المواطن مباشرة، منها مشروع التعداد السكاني و الزراعي بشقية النباتي والحيواني وتوفير 30 ألف وظيفة للشباب وبالتعاون مع وزارة العمل نقترح إنشاء مجلس للوظائف.
*السودان تم حرمانه من تمويل المؤسسات الدولية فهل من طريق لعودته مرة أخرى؟
ضمن البرنامج الإسعافي هناك محور رقم 5 يختص ببناء القدرات والإصلاح المؤسسي، وإعادة دمج السودان في مجتمع التمويل الدولي، ومن ضمن التركة الثقيلة للنظام البائد أن السودان أصبح مكبلاً بعقوبات خطيرة جداً وبالغة العمق والحساسية وتخضع لإشراف الكونجرس الأميركي، وبالتالي حتى إذا أرادت الإدارة الأميركية اتخاذ قرار سريع، فهو من الصعوبة بمكان، وقد تأخذ المسألة ما بين 9 شهور إلى سنة، وهذا يمثل إعاقة كبيرة، لأن السودان كان متاح له الدخول في برنامج التنمية الدولية، وتلقي قروض تقدر بمليار إلى مليار ونصف في السنة لفترة 3 سنوات، بالإضافة إلى دعم الموازنة.
*متى يتم رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب؟
التحوّل الديمقراطي والحكومة المدنية المقتدرة من الالتزامات التي طُلِبت من السودان، ويمكنها التسريع برفع اسم السودان من القائمة.
*ماذا عن أموال السودان المنهوبة بالخارج؟
تم تشكيل فريق عمل متعلق بملاحقة الأموال المنهوبة بمشاركة الجهات ذات الصلة على المستوى الداخلي والخارجي، وتلقينا وعوداً بدعم كبير من مكتب مشترك بين الأمم المتحدة والبنك الدولي لتقديم طلبات لاسترداد المال ومعرفة حجمها.
*ماهي المرحلة الثانية من البرنامج الإسعافي؟
في الفترة من يوليو إلى نهاية العام 2020م سوف تشهد توحيد سعر الصرف، وحال حدث الآن إلى كارثه اقتصادية كبيرة والبنك المركزي يفتقر إلى الاحتياطات، وسوف يتم إشعال السوق، وبالتالي نحن غير مستعدين للتخلي عن الدعم ولسنا جاهزين لذلك، ولكن حال حققنا أهدافنا منتصف العام المقبل بكل ثقة وشفافية، سوف نوحد سعر الصرف ويتزامن معه تعديل وترتيب للمرتبات وانتقال مباشر من الدعم السلعي إلى الدخل المباشر للمواطنين عبر الهوية الإلكترونية.
*كم يكلف دعم المحروقات؟
تُدعم المحروقات بما يقدر بـ 85% من الناتج المحلي وميزانية الصحة والتعليم أقل من 5%.
*ماهي خططكم لدعم الدقيق؟
هناك مشروع الخبز الهجين يعتمد على الذرة ومواد أخرى مضافة عضوية وسوف نطبق التجربة.
*كيف المخرج لحل ديون السودان الخارجية؟
حجم الدين ارتفع إلى 80% عقب انهيار سعر الصرف، والهاجس الأكبر معالجة اسم السودان وإخراجه من الدول الراعية للإرهاب ومعالجة ديون السودان، فهناك 3 مؤسسات دولية تطالب السودان بمبلغ 2.65 مليار دولار.
*هناك مخالفات صريحة في قطاع الذهب وشركاته العاملة؟
نحتاج لبناء معلومات موثقة ومعالجات واجبة وسياسة متوازنة وتحرير تصدير الذهب، والتعامل بصرامة مع الشركات التي تملك حق امتياز للتعدين ولا تُعدّن.
*هناك الكثير من الشركات الحكومية دون فوائد منها؟
سوف تتم مراجعتها كافة لضمان عدم تجنيب عائد الصادر وسداد الضرائب، وإعادة حصائل الصادر.
*يواجه المواطنون أزمة حقيقية في شح الوقود والخبز؟
موقف الإمداد من المواد التموينية والمشتقات البترولية مطمئن وما يحدث الآن من صفوف أُرجعه إلى مشكلة في التنظيم والتوزيع، فاحتياطي الدقيق متوفر إلى بداية فبراير 2020م والإمدادات كافية والمنحة السعودية والإماراتية تم توظيفها لهذه السلع، ولابد من إجراءات رقابية لضمان انسياب السلع بصورة سلسة، وما يحدث ظاهرة للفساد المكشوف.