مأزق الملك العريان..!
ما علينا.. تتدحرج التركيبة المُستجدّة بالسلطة سريعاً نحو الحتف الحتمي، مُلطّخة بروَث أكاذيبها وخداعها للناس، وبعَجزها عن فعل شيء خلّاق ينتمي إلى لائحة الوعود السراب التي بذلتها ومنّت بها قطاعات من الجماهير.
مأزقها ليس قِلة الخبرة، ولا نَهَم وشَرَه السلطة ولا الرغبة المجنونة المتوحشة للاستحواذ على فتافيتها، فالمأزق أخلاقي في المقام الأول، مجموعة من الناشطين السياسيين وأحزاب اليسار وجدَت طريقها إلى السلطة، فغشّت وكذبت في كل شيء، لم تفلح حتى في مُداراة ما ارتكبته من شنائع وفظائع تتعلّق بصِدقيِّتها ومِصداقيِّتها، فلا هي استطاعت اعتماد أي الوثيقتين الدستوريّتين هي الصحيحة، ولا أخفت آثار التزوير الذي تمّ جهاراً نهاراً، عَياناً بَياناً، كخطيئة لا تُمحَى، ومن حُسن حظ قوى الإعلان والتغيير أن الخطايا وإن أنْتَنَتْ لا تفوح كما يقول شاعرنا الكبير محمد الفيتوري.
دعوهم يُواجِهون مأزقهم الأخلاقي بالمعايير التي تمشدقوا بها كل هذا الوقت، يكذبون كما يتنفّسون، لم يكن أحد منهم يعتقد أن لابد دون شهد السلطة من إبر النحل، إن أرَدتَ أن تكون قيادياً وحاكماً، عليك أن تكون واضحاً وصريحاً لا خائناً لعهدك مع الجماهير وعامة الشعب، لا تُخادعهم في ما يحلمون به، ولا تراوغهم في ما تعاهدت فيه معهم، فعندما ادَّعى هؤلاء الأباطرة الجدُد أن لديهم وثيقة دستورية، لم يكن حتى أقرب الأقربين إليهم من جوقتهم السياسية يعلمون أن الوثيقة التي كانت ستكون هي دستور الفترة الانتقالية هي وثيقة مُزيّفة ليست الأصلية التي تمّ التوقيع عليها، لم يتركوها سليمة، شوَّهوها بالبتر والقطع واللصق والتعديل، غيّروا النصوص، أضافوا مواد وحرَّفوا أخرى ، فصمتت الألسُن وخرست الأفواه التي كانت تعلم وتعرف كيف تمّ التزييف والتزوير والتحوير، وغاب عن المشهد وتواطأ بالصمت حتى الذين شاركوا في صياغتها وكانوا من قبل يملأون الساحة ضجيجاً بمولودهم الدستوري الخديج…
وافضيحتاه… صمتوا عن قول الحقيقة واحتار الرفاق، والقادمون من بعيد الآفاق، ولم يتركوا لوزير العدل ما يقول، وقَف في عقبة المأزق الكبير محتاراً ونطق بما بين يديه من باطل الوثيقتين الرضيعتين في محجره، وتوارت الوجوه خلف ظلام الفضيحة والكذب، ولم يعُد في قَعر الكأس من مدام، فأين جَلَبة الثوار وضجيجهم، وأين أزيز المُحلّقين بأجنحة من سراب..؟
لا أحد سيُحاكم ويُلاحق (قحت) في موبقاتها السياسية، فهي تسعى إلى حتفها بأظلافها، بدأ الوعي يعود لمن حاولت تغييبهم، وصحا من سكرة الهياج من صحا، واستيقط من غفا، وبانت بلا مساحيق الوجوه التي كانت تظن الجماهير مجرد مطايا جاهِزة تحملهم إلى السلطة، لقد اكتشف من تبع السّحاب الخُلَّب أنه كان يجري وراء برق خادع وكاذب، لا مطر فيه ولا رعود، زمرة من طُلّاب السلطة وعَبَدة نارها المجوسية، يمارسون أبشع أنواع التدجيل على جماهير كانت مُتعطّشة للحرية والسلام والعدالة، والعيش الكريم.
لم تمض إلا أيام حتى سرت جائحة خبيثة في الشرق، وأطلت فتنة ملعونة ودعوات مسمومة نتيجة سوء التقدير السياسي والظلم، ولم تلبث مناطق أخرى كانت ترزح تحت وطأة الأزمنة الطاحنة بالحرب، حتى عادت إليها ريح حبلى مجنونة تحمل جرثومة الحرب والموت مرة أخرى، ولم تُطِق الجماهير صبراً على الأمل الجريح حتى خرجت في الخرطوم ومدن في أقصى الغرب تُطالب الحكومة التي جاءت باسمهم أن تُوفّر لهم الخبز والوقود وأن تُرجِع إليهم الحلم الذي اغتِيل.
أين تلك الهتافات الداوية والصيحات التي طبّقت الآفاق، والادعاءات الهواء والوجوه التي كانت تتعهد صباح مساء بأن الجنة باتت على الأبواب وأن النعيم الأرضي سيتحقّق بمجرد أن تعتلي (قحت) سنام السلطة، أين وجوه القيادات التي علّقوها كالتمائم على رقبة الأمنيات، أين اختفت، ولماذا لم تُصارِح جماهيرها بما جرى وما سيجري..؟ أيجرؤ أحد ليقول انظروا إلى مَلِكنا العريان…؟!!