الاحتياج التاريخي للملك عبرت عنه رغبة شعبية جامحة لم تكن تتوانى في الجهر بها، بادعاء تصريف الأمور عبر سُلطة لملك وليس للسماء، فتكون النبوة مَرجعاً للحق، ولا تكون مَوطناً للوم في أيِّ شيءٍ.. وبرغم المحاذير السماوية المَطروحة اختار الملأ سُلطة البعض على الكل.. انفعالاً بمُبرِّراتهم الضَاجّة ومنها أن يكونوا تحت ملك كسائر الشعوب ولأجل القتال تحت رايته.. فلما كتب عليهم القتال (دفنوا دقن).
المُجتمعات التي صنعت مكانة السلطة سحقتها السلطة وأزهقت مصالحها العليا وضيّقت عليهم أسباب كل شيء، بينما فاز القلة من المُقرّبين وزمرة العجزى عن الركض النبيل.
السلطة التي تسحق شعبها لا تزال تخوفهم من كل شيء خارج (كهفها) ليبدو أن ما عداها باطل ومستحيل.. حتى إذا ما خرج الناس إلى حيث الاتّساع (عنوةً أو صدفة)، كان أول اكتشافهم خديعة واستهبال السلطة وخبثها.
لكن ذات السلطة الجديدة وبعد تغيير المسرح والديكور تعود في أجساد أخرى لتصنع ذات الكهوف في وجدان تابعيها.
تتعدّد الكهوف وحبال السيطرة وأحابيلها واحدة.. يزداد الفقراء فقراً وداؤود عبد اللطيف غني، ولن نتحرّك شرقاً، بينما الغرب رابضٌ في ذات (المراوحة) منتظر أن يسر القلب حقاً.
الأطفال يفعلون نحواً من ذلك، باستجلاب شمّاعات واهية وساذجة لتلافي المسؤولية حتى إذا ما كبروا ونضجوا عرفوا، فخجلوا من تلكم العبارات التي طالما استخدموها على نحوٍ متكرِّرٍ لتقيهم من العقاب الوخيم فلم تجد فتيلاً.
واليوم دعنا نتفق.. إن رحلة السوداني من كهفه الأخير أفاضت عليه بعضاً من الأمل، وكثيراً من الطموح والتحديات وارتفع سقف التوقعات بما لا تحتمله (رصة) السلطة الجديدة ولا استجابتها الباهتة منذ سطرها الأول، وبرغم صُعُوبة المشوار ورغم ضراوة التيار تستعير سلطتنا الجديدة والمُكوِّنات المُناصرة لها ذات الطفولة في التفكير لترد عن عجز وقصر نظر وبؤس هِمّة كل دعوة للإعمار والإصلاح إلى التركة السابقة المُثقلة وأنّ خراب الـ30 عاماً شاقٌ وقاسٍ ومريرٌ و(صعب مروقه).
دُون خُطة لا نستطيع أن نُجابه مُستلزمات التمنيات وسنغدو مثل (الحَشّاش بي دقنو).. حتى إذا ما فاتنا موسم الحصاد عاتبنا الـ30 عاماً، وتلك شمّاعة لن تقي هوج الرياح ولن تخفي عورة ما دفنا من آمال.
مازالت المحاكم غَارقةً في الفصل في دعاوى الاحتيال في عُقُودات العمل الخارجية والتأشيرات الضاربة والتي نشطت على نحوٍ غير مسبوقٍ استجابة لاشتداد الطلب عليها. فمازال حُلُم الشباب كما كان في خطاب الأصم.. حُلُمه (المُخارجة) إن شاء لله تشاد!!
وليس في الأضابير والأجندة ما يشي بقيام دولة العز وكنز الفرح أو حتى ملامح.
أدونا ملمح.. أيِّ ملمح… شخصياً أثمِّن عالياً اعتذار الدكتورة انتصار صغيرون لأساتذة الجامعات واعتبره اعتذار الكبار الذين يعرفون قدر أنفسهم كما يعرفون قدر الكبار.. من اعتذار الدكتورة نبدأ لنستلهم من قيم (المعافاة) مدخلاً لإنجاز (خطة محبوكة) تجنبنا مساقط العودة الى مربعات فش الغبائن ولنغلق على حزب أعداء النجاح أيّة ثغرة ومنفذ.
نعرف أنهم لا يملكون عصا سحرية.. ولكن حيرتهم ينبغي أن تتوقّف ليبدأوا التساوق ومشوار الألف حلم والذي يبدأ بخطة.
(ومن الناس إلا رجلان.. رجل نام في النور ورجل مشى في الظلام).
ظلام الأنفس وشحها هي التي نخاف، أما الليالي الحالكات ووعورة الدروب وكثرة المطبات فمقدورٌ عليها وسنصبر عليها على غير احتيالٍ وضجرٍ، وإلا فالوعد مبذول أننا سنغدو أمام كهوف جديدة وطفولة متأخرة تلحن في التبرير والتماهي والتوحش لتصنع دولة الأوغاد والسفل.. فلا يبقى لنا بعدها إلا الوجيب والتسري الذي لا يفيد:
(كان لي فيك آمال.. ضاعت مع الإهمال).