تراجع المجلس السيادي عن القرار الصائب الذي أصدره المجلس العسكري السابق في أخريات أيامه بأيلولة الإشراف على هيئة الاتصالات لوزارة الدفاع.. وذلك بعد الضغوط الإعلامية والسياسية التي تعرض لها العسكريون من قبل القوى السياسية التي استغلت حرص المكون العسكري في التحالف الحاكم على استقرار التجربة واستقوائها على جادة المسار المفضي لتناغم مكونات الحكومة وأخذت تضغط بشدة تارة بالشارع العام من خلال المسيرات والمليونيات الموجهة أو بالهجمات الإعلامية الناعمة والخشنة بحق المكون العسكري الذي لم يُبد طمعاً في الحكم ولا رغبة في كراسي الوزارات ولكنه تحمل مشقة الحفاظ على الأمن في ظروف شديدة التعقيد..
منظومة الاتصالات في أي دولة من الأجهزة التي تخضع مباشرة لسلطة أجهزة الأمن والمخابرات وقد أفلحت (قحت) في تقزيم جهاز الأمن وتم توصيفه بجهاز لجمع المعلومات فقط وبالتالي يعيدون تجربة ما بعد سقوط نظام مايو ولا يتدبرون في مآلات سقوط الديمقراطية الثالثة من ثغرة الأمن والدفاع.. وبعد إضعاف جهاز الأمن صدرت قرارات من المجلس العسكري بتبعية جهاز الاتصالات لوزارة الدفاع وهو قرار صائب كان حرياً بالمجلس السيادي الدفاع عنه والتمسك به وعدم التنازل في وقت تتطلب فيه طبيعة الدولة السودانية الهشة والتي تواجه خطر التمزق والتشظي والتآمر من الشرق والغرب أن تصبح وزارة الدفاع (ممسكة) بتفاصيل المنظومة الأمنية كاملة من الطيران المدني.. والمساحة وحتى البريد والأرصاد الجوية, ودولة مثل مصر واجهت تحدي الحرب مع إسرائيل جعلت كل الأراضي في الدولة المصرية من سلطة الجيش.. والدولة السودانية تواجه تحدياً أكبر في وجودها.. وحتى الديمقراطية التي ينشدها الجميع ويسعى لتوطينها قادة الأحزاب في بلادنا لن تكتب لها الديمومة والاستقرار إلا بوجود قوات مسلحة غير مخترقة ولا موالية لحزب من الأحزاب أو تحالف من التحالفات.. وأن تصبح كل الصناعات ذات الطبيعة التكنولوجية شديدة التعقيد تحت بصر ومراقبة القوات المسلحة.. ومصانع مثل جياد إذا ما تركت إلى الدولة المدنية لحادت عن مسارها.. ونخر في عظمها الفساد ولا تجد حكومة السودان اليوم ما تباهي به بين الدول وزوارها إلا مصانع جياد وشركة زادنا التي تم إعفاء صانع مجدها أحمد الشايقي، ولكن بقيت زادنا مشروعاً وطنياً به نباهي ونفتخر كسودانيين.. وإذا قدر لوزارة العلوم والتكنولوجيا سابقاً الحصول على المال وتم إنشاء مفاعل نووي لإنتاج الكهرباء فإن مثل هذه الصناعات مكانها الطبيعي أذرع وزارة الدفاع وإشراف ومراقبة الجيش الذي لا ينبغي له التنازل عن حقوقه (مجاملة) لبعض الساسة من ذوي القامات القصيرة والرؤية المعتلة..