دُمُوع جبرة!
*الصديق العزيز والزميل محيي الدين شجر أعرفه منذ عشرين عاماً ربّما تزيد قليلاً، وهو قادمٌ من منطقة المقل بشمال السودان، ولكنه عاش وترعرع في ورشة الحوض بمدينة بورتسودان وبعدها انتقلت الأسرة إلى حي الثورة وهو أحد أحياء المدينة العريقة.
*طيلة السنوات الماضية زُرت بورتسودان كثيراً برفقة شجر حِينَاً ودُونه أحياناً كثيرة، ولَمِست من خلال هذه الزيارات مَدَى تَرابُط أهل المدينة الذين ينتمون لبورتسودان ولا يذكرون قبائلهم وأعراقهم المُختلفة من جميع أرجاء السودان.
*ظَلّت بُورتسودان مُحافظةً على نسيجها الاجتماعي طيلة السنوات الماضية وما زالت، ولا يذكر أهلها مناطقهم الأصلية القادمين منها، بل يفخرون بِأنّهُم من هذه المدينة الساحلية.
*وربما لهذا السَّبب كانت الأحداث الأخيرة بين أبناء النوبة والبني عامر والحباب مصدر دهشة الكثيرين لما يعرفونه عن سكان هذه المدينة من ترابُطٍ وتناغُمٍ لا مكان فيه للقبيلة.
*ما يُؤكِّد حديثي هذا بعض الكلمات التي كانت أمس في لقاء السلام والمَحَبّة بين أبناء النوبة والبني عامر والحباب والذي شهدته قاعة الصداقة بمُبادرة كريمة من رجل الأعمال الأمين الشيخ مصطفى الأمين، حيث ذكر جل المُتحدِّثين أن ما حدث في المدينة في الفترة الماضية بين أبناء هذه القبائل لم يعدو إلا أن يكون “شَكْلَه” لا ترتقي إلى حربٍ بين أبناء المدينة الواحدة.
*وهذا أيضاً ما أكده الأمين الشيخ الذي قال إنّهم جاءوا إلى بورتسودان عبر مشروعات والده عليه رحمة الله قبل استقلال السودان، ولم يشهدوا طيلة هذه الفترة أيِّ تنافُرٍ بين أهل المدينة التي تُعتبر سُوداناً مصغُراً يجمع جل قبائل السودان في مساحةٍ واحدةٍ تطل على بوابة السودان “البحر الأحمر”.
*أكثر ما حرّك المشاعر في لقاء القاعة أمس هو دُمُوع نجم المنتخب الوطني والمريخ السابق فاروق جبرة، الذي أُتيحت له فُرصة الحديث، فَلم يَستطع إكماله بسبب الدموع التي ذرفها!!
*جبرة قال إنّه وُلد في بورتسودان وتَرَبّى فيها، ولم يشهد طيلة حياته تنافُراً بين أبناء المدينة الواحدة، ولم يكن يعرفوا أنفسهم بالقبيلة، وإنما بالمناطق والأحياء.
*د. عبد الله شكان اتّفق مع جبرة في حديثه، وزاد عليه إنّه في فترة الدراسة كانوا يتناولون إفطارهم “بُوش” مع خمسة أصدقاء، ثلاثة منهم من أبناء النوبة، وهذا يُؤكِّد عُمق ومتانة العلاقة بين قبائل بورتسودان المُختلفة وقُوتها.
*حَسَناً، إن مُبادرة الأمين الشيخ مصطفى الأمين وجدت صدىً كبيراً وإشادةً واسعةً من جَميع الحُضُور، حيث شَارَكَ فيها أعضاء من المجلس السيادي والحكومة الانتقالية، وشَارَكَ فيها نجما المريخ السابقان حامد بريمة وفاروق جبرة، وَكَانَ حُضُور أهل الفَن والطَرب مُميّزاً بمشاركة الموسيقار محمد الأمين ود. عبد القادر سالم وسيف الجامعة والفرقة الشعبية لأبناء النوبة.
*غداً إن شاء الله سننشر تفاصيل لقاء السلام والمَحَبّة ومُشاهداته المُختلفة التي أَكّدَت مَدَى التجانُس والتلاقُح بين أبناء بورتسودان الذين شكّلوا لوحةً فريدةً في التعايُش السلمي في ظلال المدنية بفضل هذه المُبادرة التي تُعتبر فريدةً من نوعها من رُجلٍ عُرف بالخير والعطاء والوفاء.