تسرّب الطلاب.. متهمون في قفص الاتهام
مسؤول تربوي سابق: العقاب غير المبرر أحد مسببات التسرّب
وزارة التربية: طلاب يتسربون للالتحاق بالحركات المسلحة
2.222 طفلاً خارج المدرسة في انتظار المجهول
ولايات دارفور الأكثر تسرباً والشمالية ونهر النيل والنيل الأبيض أقلها
دراسة: المواطن يصرف 99% على التعليم بسبب تسلط مجالس الآباء
نسبة استيعاب الطلاب في الأساس بلغت 73% والثانوي 47%
مدير الطوارئ الأسبق: الوزارة تترك مسؤولياتها لمنظمات المجتمع المدني
مبارك يحيى: المالية تقسم المنح (بمزاجها) وأمسكت عن منحة لمدة 50 عاماً
الخرطوم: إبتسام حسن
ظلت في تجوال على المدارس وفقاً لما تقتضيه مهنتها كباحثة اجتماعية، وأثناء تجوالها على إحدى المدارس لاحظت عزوف الطلاب عن الدراسة وعدم التركيز مع المعلم في تلك المدرسة، الأمر الذي أجبرها على إخضاع الطلاب لأسئلة عن السبب في عدم الرغبة في الدراسة، وكانت الإجابة بالإجماع من قبل الطلاب بأنهم يتضورون جوعاً، ولا يستطيعون التركيز مع المعلم جهة أنهم لا يملكون مالاً لشراء وجبة الإفطار اتفقت مع إحدى الجهات الداعمة بالبلاد ابتداء بتوفير وجبة لـ 15 تلميذاً وسرعان ما بدأت الجهة المعنية زيادة عدد التلاميذ حتى استوعبت الجهة الداعمة لعدد كبير منهم فكانت النتيجة حسب ما روتها الباحثة الاجتماعية فى منتدى إعلامي بأن المدرسة أظهرت تفوقاً تمثل في عدم رسوب أي طالب بعد أن كانت نسبة الرسوب عالية…..
هذه قصة واقعية تحكي عن أميز أسباب تسرب التلاميذ من المدارس، ويبدو أن الجهات التربوية على علم بالسبب حتى كانت هناك مبادرات تحت شعار (الغذاء مقابل التعليم) وأشهرها مبادرة ولاية البحر الأحمر التي لم تسطع الصمود طويلاً وفشلت التجربة.
الحاجة
فقر الأسر والحاجة إلى التحاق التلاميذ والطلاب بسوق العمل من أبرز أسباب تسرب التلاميذ وسوق العمل الذي يتبادر إلى الأذهان، والذي يتم الالتحاق به قد يكون اللجوء إلى الأعمال الهامشية، لكن وباعتراف وزارة التربية والتعليم على لسان مدير المشروعات سالم أحمد سالم، فإن بعض الطلاب يلتحقون بالعمل مع الحركات المسلحة ويتفاخرون بتلك الوظيفة على شاكلة أنهم أضحوا رجالاً ناضدين بما يتعارض مع عودتهم إلى قاعات الدراسة، ومجموعة أخرى من الطلاب تخاطر بحياتها ولا تعير اهتماماً لذلك مقابل الحصول على مال بالالتحاق بالعمل في التعدين الأهلي والبحث المضني عن المعدن الأصفر، غير أن هناك طلاب توفي آباؤهم وآخرون أغترب آباؤهم ولم يوفروا لهم لقمة العيش، والمحصلة زيادة الفاقد التربوي.
حقوق
في الأول من يناير 2016 بدأ رسمياً إنفاذ أهداف التنمية المستدامة لخطة التنمية المستدامة لعام 2030 ومن أهم تلك الأهداف ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع.
وتنادي الوثيقة بضمان أن يتمتع البنات والبنين والفتيان بتعليم ابتدائي وثانوي مجاني ومنصف وجيد ، مما يؤدي إلى تحقيق نتائج تعليمية وملائمة وفعالة فضلاً عن العمل على ضمان أن تتاح لجميع البنات والبنين الحصول على نوعية جيدة من النماء والرعاية في مرحلة الطفولة المبكرة والتعليم قبل الابتدائي حتى يكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي .
ورغم أن السودان يتطلع إلى أخذ موقعه في صدارة الدول بتحقيق مثل تلك الأهداف، غير أنه حسب وزارة التربية، فإن الأطفال في سن المدرسة لم يجدوا فرصة الالتحاق بالمدارس، فإن آخر دراسة أكدت أن 2.222 طفلا خارج المدرسة غير أن الوزارة تتحدث عن تحديات تواجه الاستيعاب من أهمها عدم وجود مواعين تستوعب التلاميذ فضلاً عن عجز الأسر من توفير شهادات ميلاد لأبنائهم، غير أن البلاد حسب ممثل الوزارة سالم محمد سالم لم تستطع تحقيق أهداف التنمية المستدامة في مسائل إتاحة فرصة مساوية للبنات مع البنين مقراً بوجود مشاكل تواجه هذا الهدف .
قانون معيب
وفي وقت تتحدث فيه الجهات الرسمية عن مجانية وإلزامية التعليم إلا أنه ما زال يحتكم لقانون 2001 والذي اعتبره الأمين العام للإئتلاف السوداني للتعليم للجميع مبارك يحيى عباس، بأن القانون لا يمت لأساسيات العملية التعليمية.
ويطالب يحيى بضرورة دعم إطار قانوني يؤطر للسياسات ووضع قانون مواكب يشير لإلزامية ومجانية التعليم في مرحلة الأساس معيباً على القانون بأنه أهمل هذا العنصر وانتقد أن تخصيص الدولة نسبة 1% من ميزانيتها للصرف على التعليم، لذا يرى يحيى ضرورة إعادة توزيع ما هو متاح من الميزانية.
مطالبات
وفقاً لكل ذلك هناك عدد من التربويين يطمحون إلى زيادة الميزانية المخصصة للتعليم من 8ـــ 11% وإعادة التعليم إلى حضن الوزارة الاتحادية بعد أن ظل يحتكم إلى النظام غير الفدرالي وتحكمه سياسات الولايات والمحليات التي لا تُوفّر لها الميزانيات اللازمة لدعم التعليم.
ويذهب التربويون إلى ضرورة هيكلة وزارة التربية والتعليم العام لجهة أنها غير موائمة لما تقوم به من خدمات، واعتبروا ضرورة ان يكون المواطن عنصر ضغط على الدولة لتمويل التعليم.
وكشف مبارك يحيى عن دراسة أجرتها ولاية الخرطوم أكدت أن الميزانية التشغيلية التي تصرفها ولاية الخرطوم على التعليم 1% فيما يصرف المواطن 99% على التعليم بسبب تسلط مجالس الآباء.
وانتقد يحيى توزيع وزارة المالية الدعم الخارجي وتوزيع القروض الميسرة للتعليم، ويؤكد أن وزارة المالية لا تحتكم لآلية محددة في توزيع الدعم، وقال إن المالية أمسكت عن منح وزارة التربية منحة الـ”يو إن دي بي” لمدة 50 عاماً مضت، وأضاف أن وزارة المالية تقسم المنح (بمزاجها)، مشيرًا إلى أن الاستيعاب في مرحلة الأساس بلغ 73% بينما وصلت في مرحلة الثانوي 47%، ويقول إن الأطفال خارج المدرسة في حالة تغيير مستمر في كل عام وأثناء العام الدراسي، ويتم التساقط بشكل مستمر للطلاب من الصف الأول حتى الثامن .
مشروعات
ابتكرت وزارة التربية مشاريع لمحاربة عملية تسرب الأطفال من المدارس، وكان أشهرها مشروع (الغذاء مقابل التعليم)، وتحدث فى هذا الصدد في تصريح لـ(الصيحة) المدير الأسبق لإدارة التعليم في حالة الطوارئ بوزارة التربية والتعليم العام إسماعيل تيراب، قائلاَ إن مشروع التعليم مقابل الغذاء تم تنفيذه بولاية البحر الأحمر بالمناطق الريفية للولاية، ويعمل المشروع على حسب تيراب في تلك المناطق على دعم الطلاب بوجبة الفطور فضلاً عن دعم الطلاب في نهاية اليوم الدراسي بكمية من المواد الغذائية بهدف ترغيب الأطفال في الدراسة، غير أن تيراب أكد أن المشروع يحتاج إلى دعم مادي كبير في كثير من المرات تفوق إمكانيات المحليات .
عوائق
يذهب تيراب إلى أن عملية التسرب بالمدارس لها أسباب عديدة من بينها أن البيئة المدرسية غير جاذبة كمبانٍ وحمامات وعدم توفر مياه الشرب وبعد مواقع سكن الطلاب عن المدارس وعدم وفرة الكتب، ولكل هذه الاسباب فإن الطالب لا يستقر بمدرسته إلى حد وصل فيه إلى أن الآباء لا يعلمون أن أطفالهم يتسربون عن الدراسة جهة أن الطالب يخرج في موعد المدرسة ولا يعود إلى منزله إلا بعد نهاية اليوم الدراسي لأسباب عدة منها عدم توفر النشاط الصفي وعدم توفر الملاعب فضلاً عن العقاب البدني غير المبرر.
ويضيف أن هناك أسباب أخرى منها عدم التوزيع الجغرافي للمدارس، إذ أن هناك أطفالاً تبعد المدرسة عن مواقع سكنهم لفترة 3ـــ 4 ساعات فضلاً عن منع البنات من الذهاب إلى المدارس البعيدة بسبب الخوف عليهن.
ويقول تيراب إن من أهم الأسباب ارتفاع دائرة الفقر مما ينتج عنه دخول الأطفال دائرة الإنتاج وبعض الأسر لا يكون لديها خيار سوى تدريس واحد من الأبناء، وهناك أسباب تتعلق بالعادات والمعتقدات عند بعض القبائل تؤدي إلى حرمان البنات من الدراسة، بل وحرمان الأولاد أيضاً بسبب اعتقاد بأن المدارس تقوم بتدريس (الكفار) حسب معتقداتهم لذا تلجأ كثير من الأسر خاصة في ولايات دارفور والنيل الأزرق إلى إلحاق أطفالهم بالخلاوى فضلاً عن الزواج المبكر للبنات.
ومن الأسباب ـ حسب مدير إدارة الطوارئ ـ أن نسبة الاستيعاب لا تتناسب وعدد المدارس، إذ يكون الفرق في كثير من الأحيان في الولاية المعنية أكثر من 2 مليون مقعد.
إطفاء الحرائق
استهجن إسماعيل تيراب السياسة المتبعة من قبل وزارة التربية والتعليم في معالجة مشاكل تسرب الأطفال من المدارس ووصفها بسياسة إطفاء الحرائق إذ أن كثيرا من المشاكل التي يجب أن تعالج من قبل وزارة التربية تترك لمنظمات المجتمع المدني ووصف الحكومة بأنها غير جادة معتبرًا أن صميم عمل المنظمات يتعلق بعمل الطوارئ، وأنها لا علاقة لها بأعمال التنمية جهة أنها من صميم مسؤولية الدولة فضلاً عن أن الحكومة لا تولي التعليم أي اهتمام، لذا يحتكم إلى الحكم الفدرالي ويترك جميع المسؤوليات إلى المحليات، غير أن المحليات ليست لديها إيرادات كافية، منوهاً إلى أن المدارس القائمة حالياً تحتاج إلى برنامج إسعافي لا تقل مدته من فترة تمتد من 10ـــ 13 عاماً.
ولايات أكثر تسرباً
الولايات الأكثر تسرباً حصرت في أنها الولايات المتاثرة بالحروب والنزاعات والظروف الأمنية مثل ولايات دارفور والنيل الأزرق وولايات الشرق، ولها أسباب بأنها تقطن فيها مجتمعات غير مستقرة، بينما الولايات الأقل تسرباً والمستقرة مثل ولايات الشمالية ونهر النيل والنيل الأبيض، وأكد أن إحصاء نسبة التسرب من السهل الحصول عليها إذ يمكن أخذ نسبة التسرب أثناء المرحلة وبين الفصلين.