المفقودون.. بين غياهب الجب وشكوك الأقارب
تقرير: النذير دفع الله
ما زالت قضية المفقودين والمُختفين قسرياً، تُمثل هاجساً للدول والعالم، فَضْلاً عن أنها أصبحت كارثة أخرى تُحيط بالأُسر وذوي المفقودين المُختفين، بينما يُنادي العالم والمُنظّمات الإنسانية والمُعاهدات والاتّفاقيات الدولية للحد من هذه الظاهرة غير الإنسانية، حَيث عَانَى منها السودان وما زال منذ اندلاع الحروب والنزاعات القبلية، وما زال المفقودون بين غياهب الجب وشُكُوك الأقارب حول موتهم وحياتهم، وبرغم عدم انضمام السودان لاتفاقية الاختفاء القسري، إلا أنّ الاتفاقيات التي وقّع عليها تُناهض عملية الاختفاء القسري..!
ويُعد فض اعتصام القيادة العامة أحد أكبر الأحداث التي خلّفت وراءها عدداً من المفقودين والمُختفين قسرياً، الأمر الذي سيُرهق كاهل الحكومة، خَاصّةً وأنّ سِجِلات الشرطة وحتى إعداد تقرير النيابة الأخير، خلت تماماً من أية حالة اختفاء أو فقدان، ولكن الشارع كَذِبَ تلك التقارير من خِلال عددٍ من المَسيرات والتّظاهرات التي طالبت بالتّحقيق في أمر المَفقودين الذين حملت صورهم ضمن تلك التظاهرات، بينما تُشير الجهات المُختصة بحقوق الإنسان الى أنّ فتح الدولة لهذا الملف وتشكيل لجنة للبحث عن المفقودين خطوة تُؤكِّد جدية واهتمام الدولة بحُقُوق الإنسان، قبل أن تكون قضية جنائية أو قانونية.
مَن هُم المفقودون
حسب التّعريفات الدولية والمُتعارف عليها، فإنّ المفقودين هم مجهولو المصير، نتيجةً للنزاعات المُسلّحة أو حالات العُنف الداخلي، ويُعد الاختفاء مُشكلة عالمية تبتلي بها البلدان ومُجتمعاتٍ كثيرة، حيث تبقى العائلات أسيرة الشك بشأن أماكن وجود الأقرباء ومصيرهم، وقد يحدث هذا في كثير من الحالات التي تجهل فيها العائلات أماكن الأقرباء من أفراد القوات المُسلّحة والمجموعات، لأنّها لا تمد بوسائل تَواصُل مع أقربائهم، بينما يُقتل الناس عند أسرهم أو حين إلقاء القبض عليهم أو اختطافهم، وربما تَعَرّض أولئك المحرومون من حُريتهم، للموت أثناء احتجازهم أو الاختفاء أو السجن الانفرادي أو السجن في مكان سري وهي حالات كثيرة لا تعرف عائلاتهم أماكن وجودهم أو لا يُسمح لها بزيارتهم أو حتى بتبادُل الرسائل وكثيراً ما لا تسجّل البيانات حول الأشخاص المحرومين من حُريتهم مثل تاريخ ومكان إلقاء القبض عليهم أو نقلهم إلى أماكن أُخرى أو وفاتهم أو دفنهم أو يتم أحياناً إخفاء السجلات أو تدميرها، فيما لا يزال القتل الجماعي للأسف السبب في الجهل بمصير أشخاص عديدين، وعند حدوث ذلك تُترك جُثث الضحايا بلا عنايةٍ، أو تدفن على عجلٍ أو حتى تُدمّر، ولا يتوفّر أحياناً للضحايا الذين يحيون في ظل تلك الاِنتهاكات إرسال أخبارهم إلى أقربائهم وهو ما يُمكن أن يسفر عنه تفريق شمل الأسر لفتراتٍ طويلةٍ.
القانون الدولي
ومن ناحية أخرى، تُشير القوانين الدولية المُتعلِّقة بالاختفاء القسري إلى معايير قانونية دولية تضم أحكاماً واردة في المُعاهدات، وأخرى غير واردة في المُعاهدات، منها على كل طرف في نزاع مُسلّح أو عُنف داخلي أن يتّخذ دُون إبطاء التدابير الممكنة كَافّة للبحث عن المَفقودين والموتى وجمع جثثهم بلا تَمييزٍ وأن تُتخذ التدابير لتحديد هوية الموتى قبل التصرُّف في دفنهم واتّخاذ التدابير المُمكنة لتوفير المعلومات للسلطات المعنية أو العائلات بشأن هوية الأشخاص المتوفين أو المفقودين ومكان الوفاة وسببها والحيلولة دُون اختفاء الناس، وتحديد هوية الأشخاص المفقودين جرّاء النزاع الداخلي أو أعمال عُنفٍ.
الملف المَفتوح
رئيسة المفوضية القومية لحقوق الإنسان مولانا حورية إسماعيل قالت لـ(الصيحة)، إنّ المفوضية قامت بإطلاق نداءٍ شاملٍ تُطالب فيه بفتح بلاغات لدى الشرطة للمفقودين من أجل المُتابعة مع السلطات المُختصة، وأضافت حورية: لا بُدّ من السعي والعمل الجاد لمعرفة مصير أولئك المفقودين، حيث ينتظر الشرطة عَملٌ كَبيرٌ للبحث عن هؤلاء وترك الملف مفتوحاً، وأكّدت حورية أنّ أُسر المفقودين تُواجه ضغطاً نفسياً سيئاً حول مصير أبنائهم المفقودين، مشددةً بضرورة أن تقوم الدولة بالمُصادقة والدخول في الاتفاقيات والمُعاهدات الدولية المتعلقة بالاختفاء القسري، وأقرّت حورية أنّ عملية الاختفاء القسري أمرٌ خطيرٌ، لأنها لا تُحسب على الشخص المفقود، إنما على الأُسر التي تعاني كثيراً لأنّها تعيش في حالةٍ من التّرقُّب والانتظار، وأشادت بدور المجلس السيادي في تكوين لجنة للبحث عن المفقودين، وقالت إنّها خطوة مُمتازة تُؤكِّد اهتمام الدولة بهذا الأمر.
مُبادرة المفقودين
بينما أعلن تجمُّع المهنيين السودانيين في وقتٍ سابقٍ، العثور على (40) مفقوداً منذ فضّ اعتصام من أصل مائة شخصٍ بالمُستشفيات والمشارح المُختلفة، وأوضح التجمُّع أنّ مُبادرة المفقودين تضم أطباءً ومُحامين وأطباءً نفسيين ومُعالجين وشركاء من مُنظّمات المُجتمع المدني ومُتطوِّعين لمُتابعة قضية المفقودين والمُعالجات اللازمة له، وأكّد التجمُّع أنّ أكبر مُشكلة تُواجههم الآن هي وجود دار للمفقودين الذين عُثر عليهم حتى تَسهِّل مُهمّة العلاج والرعاية الصحية والتّواصُل مع هؤلاء المُتأثِّرين بفض الاعتصام، وفي يوليو الماضي كشف تجمُّع المهنيين السودانيين عن اختفاءٍ قسري لعشرات المواطنين جَرّاء أحداث فضّ الاعتصام أمام مقر القيادة العامة.
جريمة الاختفاء
ومن جانب آخر، كشف مصدرٌ بالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أنّ قضية المفقودين أو المُختفين قسرياً برغم أنّها جريمة، إلا أنّ طابعها العام تمثل قضية تتعلّق بحُقُوق الإنسان، مُضيفاً أنّ السودان وإن لم يكن مُوقّعاً على اتفاقية الاختفاء القسري، إلا أنه قد صادق على اتفاقيات حقوق الإنسان التي تُنادي بالتمتُّع بالحُرية والكرامة والحق في الحياة، ونفى المصدر خُلُو سِجِلات الشرطة من أيِّ بلاغات مُقيّدة تتعلّق باختفاءٍ قسري حتى إعداد تقدير النيابة العامة الخاص بفض الاعتصام، حيث أكّدت جميع الوحدات الأمنية خُلُو حراساتها من أولئك المفقودين، كاشفاً أنّ النظام السابق لم يتعامل مع ملف المُختفين قسرياً في مناطق النزاعات بالطريقة المطلوبة، مُطالباً الحكومة بضرورة الإسراع للانضمام لاتفاقية الاختفاء القسري.