الجنسية المزدوجة للجنوبيين.. صراع المكاسب والمخاوف
الخرطوم: إنصاف العوض
وجدت الوساطة التي رعاها الرئيس سلفاكير ميارديت بين الأطراف السودانية والرامية إلى طي صفحة الاحتراب والعمل على بناء سودان ديمقراطي متماهٍ عرقياً وإثنياً وجهويًا معافى، ترحيبًا حاراً وسط دولتي السودان وجنوبه، بعد أن توالت زيارات المسؤولين السودانيين إلى شقهم الجنوبي، اختتمت بزيارة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك.
وفي الوقت الذي وجد فيه ملف المفاوضات إجماعاً إيجابياً، قوبل تصريح حمدوك في جوبا والقائل بمنح الجنسية المزدوجة للجنوبيين بردود أفعال متبانة، وإن كان الجميع يتطلع إلى علاقة حدودها عنان السماء.
إدماج رئاسي
ووفقاً للزميلة “الموقف” فإن حمدوك صرح في حوار معها إلى علاقة تتخطى الحدود المألوفة، وقال حمدوك للصحيفة فيما يخص الجنسية المشتركة إنه بعد هذه الزيارة نتوقع أن نبدأ الإجراءات العملية في الانتقال من مرحلة العاطفة والشعارات للمسائل العملية، وأن نجعل هذه العلاقة المتميزة تنجح في تلبية المصالح المشتركة لشعبنا في الطرفين.
وفي هذا الجانب، توجد أجندة كثيرة جداً منها حرية الحركة بين البلدين، نحن نطمح في علاقة تلغي تماماً موضوع الاحتياج لفيزا، وأن نجعلها علاقة أشبه بالحركة داخل بلد واحد باستخدام البطاقة مثلاً، وأنا شخصياً أرى أن تصل هذه المسألة لحد أكثر من ذلك، وهذه سنناقشها في السودان، ولكن رؤيتي للمسألة هي أن نسمح لإخواننا وأخواتنا في جنوب السودان أن تكون لهم جنسية مزدوجة دون أن نطالب بمعاملة بالمثل من جنوب السودان، لأن السودان الموجود حالياً ساهم الجنوب في بنائه، فنحن أصلًا كنا مع بعض، وعلينا ألا نضع أي عوائق أمام حرية الحركة .
عرف إنساني
ويرى الخبير الأمنى اللواء حنفي عبد الله أن الخطوة تعتبر عرفاً إنسانياً بين الدول التي انفصلت عن الدولة الأم كونها تحفظ لهم حرية الحركة والامتيازات الاخرى وما إلى ذلك، وفي بعض الأحيان لا يتم نزع الجنسية الأخرى عند انفصال الدول، إلا أن تصريحات حمدوك تعتبر عاطفية أكثر منها قانونية، إذ أن هذه المسألة تحتاج إلى قرارات من الدولة وتعديل للقوانين، وهذا لا يمنع أنها في السياق القانوني ممكنة خاصة وأن النظام السابق أعطاهم العديد من الحقوق المميزة عن غيرهم من الجنسيات الأخرى.
وأما فيما يخص انعكاساته على مجمل الأوضاع السياسية والاقتصادية، قال حنفي إن الخطوة يمكن أن تقود إلى اندماج الجنوب مرة أخرى. وأردف: وحسب قراءتي للواقع، فإنه حال تم تطبيق سلام الجنوب ستعود العلاقات بصورة طيبة جداً، ولن تكون هناك حواجز بين الجنوب والشمال، لكنه استبعد عودة الوحدة بين الدولتين مجدداً، قائلاً: لكن عودة الوحدة مرة أخرى أمر في غاية الصعوبة.
شروط ومواصفات
فيما اشترط المحلل السياسي عبد الرحمن أبو خريس شروطاً لمنحهم الجنسية، وقال: يجب منحهم إياها ضمن شروط معينة ومواصفات معينة، لأنه في حال تركت مفتوحة فإنها ستقود إلى سوء استخدامها، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث بعض المشاكل وسط المجتمع السوداني، إضافة إلى أن تتم بطريقة انتقائية بمعنى أن تمنح بحسب شروط ومواصافات محددة، وأن تجدد سنوياً لسد الطريق أمام استخدامها بصورة سلبية.
وبالرغم من الانتقائية والشروط (المعينة)، فإن أبو خريس يرى أنها خطوة هامة لبناء الثقة بين الجنوب والشمال، كما أنها تعزز اللحمة السياسية خاصة وأن الجنوبيين لجأوا إلى السودان لدولتهم الأم بعد أن فشلوا في إدارة شؤونهم الداخلية بسبب الانفصال الذي يرى أنه وقع نتيجة الشحن الزائد للإخوة الأشقاء في الجنوب.
رافعة اقتصادية
وثمن المتحدث الرسمي باسم الحركة الوطنية لجنوب السودان والقيادي بتحالف المعارضة استيفن لوال الخطوة قائلاً ندعم مقترح الجنسية المزدوجة باعتبارها مكملة لاتفاقية التعاون المشترك الذي تم في الاتفاق عليها عام 2012، وذلك لتعزيز بناء علاقات ثنائية واستثنائية بين البلدين، وهي خطوة مُرحّبٌ بها لأنها تساعد شعبي السودان وجنوب السودان وبالتحديد قبائل التماس والتجارة ورفع اقتصاد جنوب السودان وشمال السودان، وتعتبر نقطة تحول كبير في العلاقات بين البلدين في شتى المجالات، لكنه استبعد أن تكون محفزاً للوحدة بمعناها المألوف في المستقبل ولكن ليس بالضرورة وحدة على أساس ضم الجمهورية أو يصير جمهورية واحدة، فهذا قد تكون له تبعات خطرة على مستقبل العلاقات بين البلدين أو إذا تبنته دولة معينة دون الأخرى، فخيار الوحدة يمكن في إرادة أبناء جنوب السودان مثلما قاموا به في الاستفتاء السابق الذي أدى إلى انفصال جنوب السودان.
خطاب وجداني
واتفق مسؤول الإعلام والعلاقات العامة بالمعارضة المسلحة فوك بوث مع لوال حول أهمية الخطوة، وقال: نحن نرحب بهذا القرار لأنه بكل تأكيد سيشكل دعامة راسخة لتكامل الشعبين مما سينعكس إيجاباً على استقرار وتقدم الدولتين، لكنه في ذات الوقت أمن على ضرورة إرجائه حتى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، حيث تدرس آنذاك إمكانية المعاملة بالمثل خاصة، وأن الإخوه الشماليين لديهم ذات الحقوق ويستحقون ذات التمييز في التعامل بدولة الجنوب.
واستنكر بوك على النخب الشمالية المناداة بعودة الجنوب أثناء مراسم توقيع الوثيقة الدستورية واصفاً إياه بالتعدي على سيادة دولته، وقال إن مثل هذه المطالب تعبر عن خطاب وجداني تدفعه العواطف ويعبر عن شرائح كبيرة في البلدين، وما أثار حفيظة النخب الجنوبية الهتافات أثناء مراسم توقيع الوثيقة الدستورية والتي قالت لن نرجع إلا الجنوب يرجع، وهو ما نراه تعدساً على سيادة دولة مستقلة، ومن المستحسن أن تتبع سياسة المعاملة بالمثل في التعامل مع الشأن الجنوبي الداخلي وأستبعد اختلافاتنا السياسية بيننا كجنوبيين تعني أننا غير، قادرين على إدارة دولتنا وخلافتنا مع سلفاكير ليست حول حكم الجنوب بل على الطريقة التي يجب أن يحكم بها وانفصال الجنوب جاء نتيجة استفتاء شعب الجنوب، وإذا شعب البلدين أرادوا الوحدة هذا خيارهم، والآن يجب أن نركز على كيفية يجب أن تشفى كل دولة من أمراضها، وإذا توحدنا الآن نحن نرجع إلى فترة أمراض ما قبل 2004 فجميع المشاكل لا زالت قائمة من تهميش وفقر وقضايا إثنية وغيرها، ويجب أن نركز على القضاء على هذه المشاكل أولاً ثم نتحدث بعد ذلك عن الوحدة.
مخاوف مشروعة
فيما يرى خبير إعلامي ــ فضل حجب هويته ــ للصيحة أن التصريح غير موفق، ويقول إن هذا الأمر لا يجب أن يحسم بالعواطف، لأن العلاقات بين الدول لا تبنى على العواطف بل بالمصالح المشتركة، ويجب أن نبحث عن أوجه المصالح في الخطوة، وأنا لا أرى أي مصالح اقتصادية تعود للسودان من مسألة الجنسية المشتركة، فالآن يوجد الجنوبيون بأعداد كبيرة فى البلاد كلاجئين، وهم يضغطون على الخدمات والموارد الشحيحة أصلاً ويشكلون عبئاً اقتصادياً على البلاد، كما أنه في حال تم منحهم الجنسية فمما لا شك فيه أنهم سيتدفقون بأعداد هائلة إلى البلاد ومعظمهم سيكونون عمالة غير مهرة وكوادر غير مؤهلة للمساهمة في بناء البلاد، بالإضافة إلى أن وجودهم سيشكل مهدداً أمنياً، ولا أزيد، وأرى في الخطوة انتهاكاً لرغبة الشعب الجنوبي الذي اختار الانفصال بنسبة 99% فلماذا نزج بهم في خيارات الهوية مرة أخرى، وأضاف: كما أنني لا أرى أن منحهم الجنسية السودانية سيساهم في حل قضية أبيي لأنه لن يمنعهم من المطالبة بما يرونه جزءاً من سيادة دولتهم والقضايا الوطنية الأخرى.