اللاجئون الجنوبيون..وضع الضوابط وتقنين الأوضاع
خبير: معاملتهم كسودانيين من أكبر الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة البائدة
إستراتيجي: النظام السابق حاول الاصطياد في المياه العكرة للعودة للوحدة
اقتصاديون: الجنوبيون لا يمثلون عبئاً اقتصادياً.. وهناك أثر لذهابهم
محلل سياسي: هناك فوضى في التعامل معهم … ولابد من شروط صارمة
خبير أمني: وضعُ الجنوبيين خاص.. وسفارتهم تعمل على معالجة الظواهر السالبة
معتمدية اللاجئين: التدفق ما زال مستمراً والدعم لا يرقى لمستوى متطلباتهم الأساسية
تحقيق: أم بلة النور
اللاجئون في كافة دول العالم يتم التعامل معهم وفق ضوابط محددة, ويتم وضعهم داخل معسكرات أو مخيمات للضمان, ولتقنين وجودهم داخل البلد المستضيفة.
يعتبر اللاجئون الجنوبيون الأكثر تدفقاً من بين الجنسيات الأخرى, نسبة للوضع الخاص الذي وضع لهم باعتبار أنهم كانوا جزءاً من هذا البلد, وبحسب إحصائية رسمية قفد بلغ عدد اللاجئين الجنوبيين داخل البلاد أكثر من مليون لاجئ, إلا أن أكثر من 80% منهم خارج المعسكرات, الأمر الذي أدى إلى ضغط عالٍ في مجال الخدمات الأساسية خاصة وأن البلاد تعيش في وضع اقتصادي استثنائي، الأمر الذي يفرض أن تكون هناك معالجة عاجلة ومراجعة دقيقة للضوابط والشروط التي يتم التعامل بها معهم خلال المرحلة المقبلة، وهذا ما سنتناوله في سياق هذا التحقيق.
ظواهر سالبة
أينما وجد هؤلاء اللاجئون تجد شكاوى من المواطنين من بعض الظواهر االسالبة نسبة إلى تواجدهم بشكل عشوائي, حيث شكت مجموعة من اصحاب القطع السكنية بأمدرمان أبو سعد من اعتداء اللاجئين الجنوبيين على قطعهم السكنية دون أن يتمكنوا من إنشائها والاستفاده منها، ولم تستطع الجهات الرسمية ترحيلهم إلى مكان آخر, كما شكت مجموعة من سكان منطقة جبل أولياء من المعسكر الذي انشئ بتلك المنطقة , وقالوا في حديثهم إنهم تضرروا من وجود المعسكروما يصاحبه من ظواهر مزعجة تتسبب في انهيار بيئي قد ينذر بكارثة صحية (انعدام دورات المياه).
ولا ينسى التاريخ حادثة معسكر خور الورل بالنيل الأبيض والتي قام فيها عدد من اللاجئين الجنوبيين باغتصاب معلمات يقمن بالتدريس داخل المعسكر, وآخر الأحداث الاعتداء على المستشفى التركي بالخرطوم بعد أن توفي أحدهم بعد أن اجريت له عملية جراحية وخروجه من المستشفي ليعتدي ذووه على الأطباء, وتهشيم غرف الطوارئ والإصابات.
مهدد أمني وصحي
وفي حديثه للصيحة، قال الخبير الاستراتيجي عباس إبراهيم إن انفصال الجنوب لم يكن رغبة المواطن الجنوبي، بل كانت رغبة الحركة الشعبية, وعند الانتقال لم تكن هناك مؤسسات دولة قائمة, واعتبرت الأمم المتحدة حكومة الجنوب حكومة فاشلة، لا تستطيع بناء دولة, الأمر الذي أدى إلى صراعات أهلية نتجت عنها هجرة جماعية مرة أخرى إلى السودان الشمالي بأعداد كبيرة، وكانت الحكومة تصطاد في المياه العكرة في محاولة منها للعودة للوحدة مرة أخرى, إلى أن أصدر الرئيس السابق قرارًا بأن تتم معاملتهم كسودانيين, ولهم حق العمل والتنقل والتملك، مما أدى إلى ارتفاع معدل التدفق داخل الولايات الحدودية، وصولاً إلى العاصمة الخرطوم, والسكن في مناطق غير مصدقة لهم وتكوين مساكن عشوائية اصبحت مهدداً أمنياً وذلك بظهور مجموعات النهب المسلح “النيقرز” إلى بجانب انتشار الامراض المعدية, وأصبحوا قوة كبيرة تعمل في الأعمال الهامشية داخل المدن, مما شكل ضغطاً على المدن في الجانب الاقتصادي والخدمات في المياه والصحة وحركة المواصلات وكل الخدمات الأساسية والضرورية.
ضرورة قصوى
ويرى عباس أن اكبر خطأ ارتكبته الحكومة السابقة معاملة الجنوبيين معاملة السودانيين, لأنها بذلك القرار فقدت أموالاً طائلة خاصة الممنوحة من الأمم المتحده للاجئين الجنوبيين, وشدد على ضرورة معاملتهم معاملة اللاجئين وإيوائهم داخل معسكرات وتسهيل عملية ترحيلهم, لتخفيف العبء على الحكومة المقبلة, واعتبر وجودهم خارج المعسكرات أمراً خطراً، حيث أنه يمثل عبئاً اقتصادياً وضغطاً على الخدمات, كما يرى أن هناك صعوبة في إيجاد حلول في الوضع الراهن نسبة إلى انتشارهم إلى جانب ضعف الإمكانيات المخصصة لذلك.
جنسية مزدوجة
فيما يرى الخبير الاقتصادي الفاتح عثمان أن اللاجئين الجنوبيين لا يمثلون مشكلة اقتصادية، وأرجع ذلك إلى أن بعضاً منهم يندمجون في قوى العمل السودانية ومنهم من ينتظم في معسكرات تمولها الأمم المتحدة والمنظمات العالمية, كما أنهم شعب منتج ومعظمهم يعمل في المشاريع الزراعية وأعمال البناء وبالتالي يرى أنهم إضافة للاقتصاد وليسوا عبئاً عليه، كما يرى الفاتح أن هناك تقنيناً لوجودهم داخل المعسكرات التي تشرف عليها المنظمات المحلية والعالمية والتي تمولها الأمم المتحدة والصليب الأحمر.
واتفق معه الخبير الاقتصادي ميرغني أبو عوف الذي أضاف أن هناك أثر واضحاً لذهاب الجنوبيي،ن وشدد على ضرورة تقنين أوضاعهم، وذلك عبر الجنسية المزدوجة, مضيفاً أنهم يشكلون إضافة حتى وإن كانوا مستهلكين, مشيراً إلى أن الظواهر السالبة التي تتحدثون عنها جاءت نتيجة التقصير من قبل الحكومة ومعتمدية اللاجئين التي لا تقوم بدورها تجاههم.
معاملة بالمثل
واختلف معهم في الحديث صاحب أحد المصانع بالمنطقة الصناعية الخرطوم بحري، وأحد المتضررين من الوجود العشوائي للجنوبيين معاوية أبايزيد في الحديث, وقال للصيحة إن الشمالي عندما يكون في دولة الجنوب يكون ملزماً بدفع إذن عمل 300 دولار سنوياً، إلى جانب استخراج الفيش كل ستة أشهر بمبلغ 500 دولار, إلا أن المواطن الجنوبي الذي يعيش في السودان يتواجد دون أن تكون له أي هوية أو بطاقة لاجئ، ولا تمتلك وزارة الداخلية أي معلومة عن أي جنوبي داخل السودان.
مضيفاً ان السودان يستقبلهم دون أي مقابل, واعتبرهم معاوية مهدداً أمنياً نسبة لتواجدهم داخل السكن العشوائي الذي تنتشر فيه مصانع الخمور البلدية, وقال إنهم كأصحاب أعمل بالمنطقة الصناعية بحري مربع 35 الأكثر تضرراً من وجودهم غير المقنن ـ حسب حديثه ـ مضيفاً أنهم قاموا بتقديم عدة شكاوى لقسم الشرطة بالمربع، إلا أنهم فشلوا في السيطرة عليهم لضعف الإمكانات, وقال معاوية: على وزير الداخلية الجديد أن يعمل على تقنين وجودهم وترحيلهم إلى المعسكرت لضمان وصول الإعانات لهم من قبل الأمم المتحدة, فضلاً عن استخراج بطاقات لكل فرد منهم إلى جانب إذن عمل وإلزامهم باستخراج الفيش بصورة نصف سنوية لتقليل الظواهر السالبة, مع ضرورة القيام بحملات ملزمة لاستخراخ الإقامات لهم .
هشاشة القوانين
وشدّد المحلل السياسي قادم عوض الله، على ضرورة السيطرة على الوجود الأجنبي بالبلاد, مضيفاً أن هناك فوضى في التعامل معهم, دون أي نوع من الضوابط والشروط, ويدخلون دون التقيد بالكشف الطبي والأمني, واصفاً القوانين المنظمة للجوء بالهشة ولا تحكم السيطرة على مداخل ومخارج البلاد خاصة وأن السودان يعتبر معبراً مهماً لكثير من الدول, وإذا فرضت أقل الرسوم سوف ترفد خزينة الدولة بمليارات الجنيهات سنوياً.
وأضاف: على حكومة السودان أن تمنع دخول الجنوبيين في المرحلة المقبلة حتى تستطيع أن توفق أوضاع الموجودين بالداخل.
وضع خاص
فيما رفض الخبير الأمني الفريق حنفي عبد الله، فكرة معاملة الجنوبيين كلاجئين نسبة للعلاقة التي كانت ولا تزال تربط بين الشعبين واصفًا وضعهم بالخاص, مقرًا بوجود بعض التفلتات والتي بدأت سفارة دولة الجنوب معالجتها عبر المشايخ وعمد القبائل, كاشفاً عن تعامل الجهات المسئولة معها بصورة رسمية ويطبق عليهم القانون في كل الجرائم المدنية والجنائية, وأن التهديد الأمني الصادر عنهم يعتبر تهديداً جزئياً.
إحصاءات رسمية
وبحسب الإحصائية الرسمية التي تحصلت عليها الصيحة من معتمدية اللاجئين، فقد بلغ العدد الكلي (1,247,771)، الموجودون داخل المعسكرات (311,469) وخارجها (963,702)، وكان عددهم داخل ولاية الخرطوم داخل المعسكرات (78,007)، أما خارج المعسكرات فكان عددهم (335,478)، العدد الكلي (413,485)، أما ولاية جنوب دارفور فكان عدد اللاجئين داخل المعسكرات صفراً، بينما كان عددهم خارج المعسكرات ( 40,453)، ليصبح ذات الرقم هو العدد الكلي لهم داخل الولاية.
أما ولاية شرق دارفور فقد بلغ عدد اللاجئين داخل المعسكرات( 38,194) وخارجها بلغ عددهم (65,399) ليصل إجمالي عددهم (103,593). أما ولاية شمال دارفور فكان جميع اللاجئين خارج المعسكرات، حيث بلغ عددهم (29,345)، وكذلك ولاية شمال كردفان، والتي بلغ عدد اللاجئين فيها (8,569).
أما غرب كردفان، فبلغ عددهم داخل المعسكرات (25,075) وخارج المعسكرات (38,143)، العدد الكلي (63,218)، أما ولاية جنوب كردفان، اللاجئون الجنوبيون الموجودون داخل المعسكرات بلغ عددهم (16,080) وخارجها (22,080)، العدد الكلي (38,160)، وفي ولاية النيل الأزرق، فكان جميع اللاجئين فيها خارج المعسكرات، وبلغ عددهم (7,660) لاجئاً، وبلغ عددهم في ولاية النيل الأبيض داخل المعسكرات (154,113) لاجئاً فقط، على الرغم من أنها من أكثر الولايات استضافة لهم، بينما بلغ عددهم خارج المعسكرات (88,024) إجمالي العدد وصل إلى (242,137) لاجئاً، بينما يتواجد جميع اللاجئين الجنوبيين في ولاية البحر الأحمر خارج المعسكرات وبلغ عددهم (10,000) لاجئ، وكذلك ولاية كسلا بلغ عددهم (7,600) وأيضا ولاية الحزيرة (16,025)ن كما تواجد أيضاً جميع اللاجئين بولاية سنار خارج المعسكرات والبالغ عددهم ( 8,823) وكذلك ولاية القضارف حيث بلغ عددهم (4,825) أما في بقية الولايات، فكان العدد الإجمالي في الولايات الأخرى (281,278) وجميعهم خارج المعسكرات.
وفي حديثه للصيحة قال معتمد اللاجئين المكلف أن اللاجئين الجنوبيين يتواجدون في عدد من الولايات أهمها ولاية الخرطوم والنيل الأبيض وجنوب وغرب كردفان، وغرب وشمال شرق دارفور, ويمتد تواجدهم في ولايات حدودية أخرى مثل ولاية الجزيرة والقضارف وكسلا والبحر الأحمر وتوجد معسكرات ومناطق إيواء، حيث تم إنشاء معسكرات بالنيل الأبيض واثنين بولاية كردفان وانثين بشرق دارفور بالإضافة إلى مراكز استقبال في عدد من المعسكرات .
وقال المعتمد المكلف للصيحة محمد يس إن التعامل معهم في السابق كان كمواطنين وبعد قرار اعتمادهم كلاجئين في العام 2016م تم اعتماد اتفاقية مع المندوب السامي على التعاون والتنسيق لتقديم الخدمات لهم بالاتفاق مع الشركاء من الأمميين والمنظمات الطوعية، بالإضافة إلى الحكومات الاتحادية والولائية, مضيفاً أن هناك العديد من المنظمات الداعمة للاجئين الجنوبيين منها المنظمات الأممية ومنظمة الغذاء العالمي والصحة العالمية، إلى جانب الهلال الأحمر وكثير من المنظمات الأخرى والتي بلغ عددها (44) منظمة محلية وعالمية.
زيادة الدعم
واشار إلى أن تدفقات طالبي اللجوء من دولة الجنوب ما زالت مستمرة وعزا ذلك إلى تدهور الأوضاع السياسية والأمنية ويتراوح التدفق اليومي ما بين (300) إلى (500) لاجئ يوميا عبر الولايات الحدودية، ويتم تسجيلهم داخل مكتب الجوازات واعتبر التسجيل حجر زاوية بالنسبة لهم تصلهم كل الحقوق المقدمة من المجتمع الدولي.
وأضاف أنه ورغم الجهود المبذولة من المفوضية السامية في دعم السودان بالقيام بواجبها تجاه الجنوبيين المنتشرين في ولايات السودان المختلفة، إلا أن الدعم لا يرقى لمستوى الطموح، ولا يلبي حاجات اللاجئين الإنسانية بالدرجة التي تجعلهم لا يعتدون على المجتمعات المستضيفة والتي تعاني من ضعف الخدمات، نسبة إلى ظروف السودان الاقتصادية، وناشد المانحين بزيادة الدعم المادي والعيني لكي ينعم اللاجئون بحياة تتحقق فيها كل مطالب الإنسان الأساسية.