“العقل الواعي يحترم وجهات نظر الآخرين وإن لم يؤمن بها”.. نجيب محفوظ..!
تعقيباً على ردود بعض القراء على مقال الأمس “المصير الذي حاق بالجواز”، أقول:
إلى الأستاذ “عبد الرحمن”..
كل المُساندة والتضامُن – غير المشروط – مع إخواننا السوريين في محنتهم التي لا علاقة لمقال يوم أمس – “المصير الذي حاق بالجواز” – بها من قريبٍ أو بعيدٍ، سوى أنّها وعلى نحوٍ غير مُباشرٍ قد أوصلت البعض منهم إلى بلادنا ليكونوا “ظرفاً” لنشوء الفعل موضوع المقال، وليس “طرفاً” فيه بأيِّ حال..؟!
ثم، يا سيدي الفاضل، كيف استنتجت – بالله عليك – من الجملة المُقتبسة في مقدمة المقال – “لا أعارض أن أكون نكتة لكنني أعارض أن أكون واحدة” – إنّني أقصد “التعريض باللاجئين”، في حين أنّ السياق العَام للمقال يتحدّث عن سلوك سوداني واضح “هو المقصود بالنكتة التي تُشير إليه بوضُوحٍ”. وفي حين أنّ السياق العام لما أكتبه كل يوم – أيضاً – ينفي مثل هذا الاتّهام، بل ويستنكر إتيان مثله..؟!
في المقال موضوع تعقيبك الكريم، كُنت أتحدّث عن وطني الذي بَاتَ يتربّع على ذيل القائمة في كل شأنٍ. فهو دوناً عن كل دول اللجوء صَار مَرتعاً لجرائم تهريب المُخدّرات وغيرها – راجع إرشيف الصحف السودانية في الفترة التي يَتَحَدّث عنها المقال – وهو دوناً عن كل بلاد اللجوء يُباع فيه الجواز ببضعة آلاف من الدولارات..!
كُنت خارج السودان قبل أسابيع ورأيت مَشاهد مُصوّرة لأحياء بأكملها دكت دكا بقصف الطائرات في دمشق، ولا يُوجد بَشرٌ على ظهر البسيطة بين جنباته قلب يخفق لا يبكي لمثل هذا الحال، ولا يَفعل مَا بِوسعه لِتَغيير مثل هذا الحال، ولو كان ذلك بأن يعطي جل ما عنده، نَاهيك عن أن يفعل الواجب والمَفروض بأن يفتح لهم أبواب بلاده.
لكن بكائي ذاك لا عِلاقَة له بحرصي عَلَى وطني ولومي لبني جَلدتي على شُعُورٍ بالدونية – لا مُبرّر له، كان ولا يزال يتمظهر في أبسط سُلوكياتهم العفوية – “وهو أمرٌ ظللت أكتب عنه كثيراً في مَواقف مُختلفة” – وفساد كارثي كَانَ يَتمظهر في اشتراط العُمُولات الضَخمة لفتح أبواب الاِستثمار، وبيع جواز الوطن لمن يدفع الثمن..!
إلى الأستاذ “الوليد”..
مَقال الأمس كان نظرة إلى الزاوية السودانية مِنَ المَشهد – يعني طريقة نظرتنا إلى أنفسنا وإلى الآخرين وفقاً لتصنيفاتٍ بعينها – أمّا البُعد الإنساني لقضية اللجوء، فهو لا يعني أن تتحوّل بلادنا إلى حاضنةٍ للجريمة الوافدة من جهةٍ – “انظر إرشيف أخبار جرائم الوافدين التي ملأت صحف الخرطوم” – أو أن يتم بيع وشراء حَق المُواطنة فيها. نَحن أيضاً كُنّا وافدين على بلاد الناس، وشخصياً كنت جيلاً ثانياً في رحلة الإقامة في بلاد الناس. وقد زُرت الكثير من الدول، ولم أَرَ في حياتي تنمُّراً لبعض الوافدين على المُواطنين، بلا رادعٍ أو رقيبٍ إلا في هذا السودان..!
فالغريب – كما يقولون – أديب. هذا في المطلق، وقد كُنّا كذلك ولا نزال كلّما زُرنا بلاد الناس. ولكن عندنا هنا الأمر يَختلف، والشّواهد كَثيرةٌ. كل ما دعوت إليه هو بعض الضبط الرسمي، وبعض الانضباط الشعبي، في مناخ تعايُش تسوده العدالة ويحفه الاِحترام المُتبادل “ولا ضرر ولا ضرار”..!
وللعلم، فقد قابلت بعض الإخوة السوريين قبل فترةٍ خارج السودان، وقد حدّثوني عن أصدقاء وأقرباء لهم اشتروا هذا الجواز الهامل. ليس ذلك فحسب، بل أنّهم سألوني عن تكلفة شرائه بسعر الدولار مُقابل الجنيه في حينه. وهذا حَدثٌ جَللٌ من حقي أن أحزن لسماعه، وهو شأنٌ من حقي أن أخجل منه، وأن أربأ بأهلي وبوطني عنه.
بقي أن أعتذر للقُرّاء – الذين راسلوني – عن تقصيري في شَرح مَا كُنت أعنيه في مقال الأمس. فإن كان ما قصدته قد التبس عليكم فذلك خطأي وتلك مسؤوليتي. بارك الله فيكم، وغفر لنا ولكم..!
منى أبو زيد