*حالة من القلق تعتريني لا أدري لمَ كلما أزور صيدلية لصرف روشتة دواء لأحد أبنائي كتبها أحد الأطباء بعد تشخيصه داءً ألمّ به.
*هذا القلق الذي ينتابني لم أجد له تبريراً خلال زياراتي تلك، حاولت مراراً البحث عن أسبابه إلا أن محاولاتي ذهبت ولا زالت تذهب أدراج الرياح وتبعثرت وأهدرت دماء قلقي ما بين المعمل والطبيب والصيدلي …!
* القلق المتكرر ينتابني من الطبيب الذي تبدأ به رحلة البحث عن ترياق ناجع لسقم ألم بأحد أفراد أسرتي ومن ثم المعمل الذي تصدق فحوصاته توقعات الطبيب أو تكذبه ثم العودة مرة أخرى للطبيب الذي يبدأ بتشخيص الحالة وفق النتائج المعملية، ليدفع إليك بروشتة ووصفة طبية في حدها الأدنى ثلاثة أنواع من الأدوية التي ينوء الجسد الصحيح عن تحمل تأثيراتها فما بالك بأجساد الأطفال…؟؟
*ثم يزداد قلقك وأنت تدلف إلى جوف الصيدلية فيصادفك شاب يافع أو فتاة غضة أو كهل قد بلغ من الكبر عتياً، تتردد برهة من هول المنظر الذي قد يزعزع ثقتك بأهل الصيدلة وفطاحلتها في داخلك وتتردد هل هذا أو هذه الصيدلية المعنية بالأمر أم إنهم عاملون بالصيدلية؟ فالمظهر الخارجي لا يوحي بشيء يدفعك بأن تستأمنه على حياة فلذة كبدك؟
* لكن قلقك وخوفك هذا يقطعه صوت الذي أمامك بعبارة: نعم يا أستاذ؟ تتلعثم ثم تغمغم بكلمات لا تفهمها حتى أنت لكن الذي أمامك يفهمها ويجيبك بقوله: نعم أنا الصيدلي.. وتنسى وفي ذروة ثورة قلقك تلك أن تكون سألته عن صفته التي تجعله يقف أمامك ليتناول (روشتة الطبيب) ليخبرك في أقل من ثلاث ثوان بأن العقار الذي كتبه الطبيب غير موجود، لكن بطرف الصيدلية بديل أفضل منه…!!
*وما بين تشخيص الطبيب ونتيجة المعمل وإغراءات الصيدلي بالبديل الناجع يتمدد القلق ولا تدري أيهما أصدق !!! فالطبيب الذي شخص لك خلاف نتيجة المعمل بعدما لم يظهر (الفحيص) ولم تصدق إرهاصات وظنون الطبيب لمرض أشارت أعراضه إليه إلا أن نتيجة الفحص قالت غير ذلك، فيكتب لك الطبيب الدواء وفق قرائن المرض فيأتي إليك صيدلي ليخبرك بأن البديل الناجع سيعجل بشفاء مريضك!!!
* تذكرت تلك (التراجيديا) التي كان بطلها ولا زال الكثير منا وأحد الدكاترة المتخصصين ينتقد تقديم صرف الأدوية بالصيدليات لأشخاص غير مؤهلين (من غير الصيادلة)، وليست لهم علاقة بالدواء بعدد من الولايات من بينها الخرطوم.!!!
*حديث الدكتور الصيدلاني المختص ذاك زاد من حدة قلقي بل جعله مؤكداً ومبرراً، إذاً فما ينتابني من قلق تجاه بعض (الصيادلة) بالصيدليات وجدت له الآن مبرراً عطفاً على تصريحاته التي أكدت أن بعض من يقفون بالصيدليات لصرف وصفات الأطباء لمرضانا غير جديرين بذلك لأننا نستأمنهم على أرواحنا وأرواح فلذات أكبادنا وأرواح أعزاء لنا.
* الجهات المختصة يقع عليها عبء كبير في محاربة هذه الظاهرة عبر أتيام التفتيش الدوري التي ينبغي أن تزور الصيدليات صباح مساء وعند الظهيرة كذلك، وهي فترة ينشط فيها هؤلاء القوم ويسدون عجز بعض الصيدليات في تلك (الوردية)..!!
* سادتي.. غياب القانون وعدم تطبيق بنوده بصورة دقيقة والتي لا تسمح بإعطاء المريض أي دواء دون وصفة طبية، سيحول بالتأكيد الصيدلية إلى مهنة بين بائع ومشترٍ..!!
*شددوا الرقابة على هؤلاء فلم يتبق لنا من الثقة في كثير من (المستأمنين) غير القليل، فدعوها في مكانها حتى نردد: بأن الدنيا (لسه بخير).