غداً الجمعة، تشهد العاصمة المصرية لقاءً يجمع قادة الجبهة الثورية بالحكومة المصرية ومُمثلين لدولتي الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك لبحث إمكانية نقل مَقر التفاوُض المُقرّر له الرابع عشر من أكتوبر القادم من العاصمة الجنوبية جوبا إلى أيٍّ من العاصمتين القاهرة أو أبو ظبي، في خطوةٍ رفضها القائد عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية الفصيل الرئيسي وتمسّك بجوبا كمقرٍ للتفاوُض بينه والحكومة السودانية.
من حيث المبدأ، تعتبر القاهرة العاصمة الثانية بعد جوبا قُرباً لوجدان السودانيين، والخطوة الحالية بمثابة تصحيح لمواقف خاطئة من القاهرة في مراحل سابقة جرت فيها مُفاوضات بين الخرطوم وحركات انفصالية في السودان القديم الذي خسر ثُلث أَرضه بسبب تَمَسُّكه بهويته العربية الإسلامية، ولكنه عند المَلمّات والشدائد وَجَدَ نفسه مكشوف الظهر تخاذل عنه العرب وتركوه وشَأنه حتى انفصل الجنوب الغني وترك الشمال بفقره يلعق جراحات الهزيمة.
اليوم عندما تجتمع فصائل المُعارضة في العاصمة المصرية، وتدعو القاهرة شركاءً عرباً لدعم مُصالحة السودانيين، فإنّها تصحح الخطيئة التي ارتكبتها في مُفاوضات نيفاشا حينما وقفت بعيداً تنظر لوزيرة خارجية النرويج تفعل ما شاء لها والمبعوث الأمريكي القس جون دانفورث يُقرِّر في كيفية حل قضية أبيي!
مُفاوضات أو مُشاورات القاهرة تمثل خطوة مُهمّة جداً لترتيب جدول التفاوُض المُرتقب، خَاصّةً أنّ هناك أخطاءً سَاذجةً جداً وقعت فيها الأطراف السودانية تحتاج لاتّفاقٍ لتوضيح غير الواضحات.
فإعلان المبادئ الأول وهو بمثابة إطار كلي لمسار التّفاوُض وقّعته الحكومة مع الجبهة الثورية التي تُعتبر فصيل مالك عقار وخميس جلاب أهم مُكوِّناتها، ويشمل هذا الاتفاق الإطاري كيفية حل مُشكلة المنطقتين أي جبال النوبة والنيل الأزرق، وفي ذات الوقت وَقّعت الحكومة السودانية والحركة الشعبية قطاع الشمال بقيادة الحلو على إعلان مبادئ آخر لحل النِّزاع في ذات المنطقتين؟
والمُفاوضات القَادمة ستُجرى في طَاولتين مُختلفتين وربما في عاصمتين، إحداهما بالطبع جوبا لتوقيع اتفاقيتين مُنفصلتين لمنطقة واحدة!!
كيف يحدث هذا؟ وهل يُمكن توحيد الجبهة الثورية وقطاع الحلو على الحد الأدنى لدخول التّفاوُض بفريقٍ واحدٍ؟
لا تُشير الخلافات في المواقف المُتباينة لإمكانية ذلك، فالحركة الشعبية جناح الحلو لا تزال مُتمسِّكة بحق تقرير المَصير، والجبهة الثورية مُتمسِّكة بالحكم الذاتي، وقد عجز سلفا كير ميارديت مُنذ عَامٍ في توحيد الحركة الشعبية، فهل تَفلح مصر والإمارات والسعودية في هذه المُهمّة، علماً بأنّ الحلو لن يُشارك في مُشاورات القاهرة التي تبدأ غداً.
ثمة أمر آخر، هُناك ازدواجية في ملف التّفاوُض هل هو مسؤولية رئيس الوزراء؟ أم المجلس السيادي؟
إذا لم يتم حسم هذه الازدواجية (الأباها البشير) لن تتقدّم المُفاوضات القادمة وبلوغ محطة وقف إطلاق النار الدائم وبدء الفترة الانتقالية التي يطمح إليها ضحايا الحروب.
بالمُناسبة تمّ الاتفاق في جوبا على تعويض المُتضرِّرين من النظام السابق معنوياً ومادياً، ولكن لم يتضمّن الاتفاق تعويض ضحايا الحرب، هُناك فرقٌ كبيرٌ بين ضحايا النظام السابق وضحايا الحرب!!
تلك من القضايا التي يُمكن التّفاهُم حولها بالقاهرة غداً.