أرى شجراً يسير !!
الشيوعيون يَستعدون لتسلم مقاليد كل شيء.. وتلك هي الرهيفة التي يهتكونها (خرمجة) و(تخريماً) حتى نقول إذا ما ضقنا ذرعاً وأنكرنا حالنا وفضنا ذعراً بـ(المواكب) و(الكواكب) و(المشقي) و(اللشقي) عادت إلينا (المزيكا) والمارشات العسكرية لتعيد صياغتنا من جديد!!.
وإلا لماذا هذه السياقة المتهوِّرة ولماذا إرسال كل تلك العراقيل على نحو لحظوي أمام حركة الحياة وحمدوك.
الشيوعيون يستعدون لمُمارسة ذات الخطأ التاريخي الذي جرّبوه ووداهم (الدروة) وجرّبه الإسلاميون من بعدهم فندموا أشدّ الندامة.. الانقلاب القادم لن يكون فاقع اللون، سيُداهن ويسرق لسان الثورة واسمها رفضاً للهبوط الناعم.. ولقمع المصالح الطبقية التي تسلّلت إلى مفاصل الثورة وأجهضت مُكتسباتها.!!
يرسل الشيوعي في كل منعطفٍ رسالتين مُتناقضتين (لتلبيك) الراهن السياسي واشتداد عقدته.
يعطي الضوء الأخضر للمجلس العسكري بفض الاعتصام ثُمّ يذهب بالصابِّنها إلى أقصى حدود الاحتقان والتمترس.
يدفعهم للتوقيع على الاتّفاق، ثُمّ يُجاهر برفضه.. يُعلن عدم مُشاركته في الحكومة، ثُمّ يرسل عُضويته الظاهرة والمُستترة للتوزير والتآزر، يرفض تعديل الوثيقة لصالح تعيين القضاء والنيابة ويعتبر أنّ ذلك أمراً غير دستوري لكنه فِي ذَات التّو يدفع ويتمسّك بمُرشحيه لتولي القضاء والنيابة، بل ويرسل المواكب ولجان المُقاومة تأييداً ومُناصرةً للتعديل والتعيين.
ولا يحتاج الأمر إلى الكثير من الجهد لمعرفة أن الحزب الشيوعي يتحرّك على وتيرة أُخرى وأجندة مُنضبطة لا تشمل الانتقال السلمي للسلطة.
(أيِّ حاجة تفرِّح العيال)، الحزب الشيوعي ضدها.. بدءاً من فتح المدارس وانتهاءً -وليس نهايةً – بعيساوي.. لِتشمل قائمة (اللات) الكثيرة كل مَا مِن شأنه تعكير الصفو وبلبلة الأوضاع وقتل السوانح من فُرص لجمع الكلمة ووحدة الصف الوطني الحادب على مصلحة ومُستقبل البلاد.
الحزب الشيوعي لم يستطع أن يحكم السودان مُنفرداً.. سنوات قليلة كان فيها الهتاف:
(كل السلطة بيد الجبهة).. ليتحوّل إلى:
(كل الجبهة بيد السلطة).
التجربة الوطنية في تاريخها القريب والبعيد من دُروسها الحاضرة أنّ هذه البلاد لا يُمكن أن تحكم على نحوٍ أحادي.. تنوُّعها الماثل وصدعها المُرتق على (بصارة) لا يسمح لأيِّ أحدٍ بالانفراد بالسُّلطة مهما تعزى وحفل وزحمت طبوله وراياته الآفاق، إلا عن تحالُفٍ مُعلنٍ وائتلافٍ مسنودٍ.. مُحاولات الاستئثار بالسلطة في السودان موردٌ مُحقِّقٌ للتهلكة وطَريقٌ قَصيرٌ للانتحار.
قد يقول البعض ولكن تجربة الإنقاذ كانت طويلة.. الإنقاذ – والحال هكذا – ليست كلها مرحلة واحدة وإنما مرّت بأكثر من مَرحلةٍ وغيّرت جلدها أكثر من مرة، الثابت الوحيد فيها عمر حسن أحمد البشير، لكن عمر البشير الذي ذاع بيان الإنقاذ الأول ليس هو البشير الذي دَاهمته الجماهير في بيت الضيافة.. تغيّر ولأكثر من مرة (لافتاته وزوجه وركبه).
دخل في مُحاولات مُتعدِّدة لإنجاز تحالُفات عسيرة وأدخل كل زناة التاريخ وحمائمه والزبانية إلى مطبخه السياسي مُحاولاً صناعة الوصفة السحرية و(شربات الفسيخ) بلا جدوى.
جاءت الحركة الشعبية وفاروق أبو عيسى وبلال عثمان ونهار ومسار وحتى أن (الميدان) و(البعث) كانتا – ولزمن سابقٍ طويلٍ – تصدران فجراً من الخرطوم، بل إنّ مُؤتمراً عاماً للحزب الشيوعي السوداني تم بالخرطوم بتمويل ورعاية حكومية!!
أيّام العسل التي قضاها الشيوعيون والإسلاميون مع العسكر لا تغري بتكرار التجربة مَرّةً أُخرى، خَاصّةً وأنّ النهايات دوماً كارثية وباهظة الكلفة، قليلة العائد.. هي دورة مُغلقة للفشل يغزيها (حراق روح) صفوتنا وعجزها الفكري عن إنجاز حُلُولٍ لمشاكلنا المُستعصية.. وعبر نظرية الاستسهال سريعاً مَا ترتمي في أَحضان مُغامرة (العسكري المَغمور).. وللعسكر طريقتهم الخاصة في غسل تلك الاِنتماءات.. فالجيش كما يقول (ما بَعفِّن).
(الإصبع في التتك والبوت نخرة كلب).