الوثيقة: باي ذنب قُتلِت؟!
تخيلوا معي لو أن نعمات عبد الله خير الله يومها تقدمت خطواتها أكثر قليلاً لتشغل تلك المساحة أمام أعضاء مجلس السيادة – بمن فيهم (حجة عشة)- وهم يؤدون اليمين الدستورية..
-ألو…. مولانا نعمات.
-مرحبا..
– تعالي بكرة بدري.
وقشرت مولانا صباحاً باكراً بأمر سكرتارية مجلس السيادة بعد أن انتشر الخبر وذاع وعم القرى والحضر:
(نعمات رئيساً للقضاء)..
فمن قدر وخطط وأعلن دون أن يحبكها لتخرج بكل هذا (الشياط) وتلك اللزوجة والمسخ..
(حركة في شكل قلبة) وتمرير لأجندة غابية لا تستند لأي منطق مقبول.. سوى أنهم يريدون أحداً (من طرفهم) هناك، حتى لو قالت قيم العدالة (دا طرفي منو)!!
اللعب بالنار ومحاولة إرسال الانحياز وشياطينه الأخرى لساحات العدالة كان جارياً على قدم وساق وقريباً أدنى من حبل الوريد لولا عناية الله وثلة من الآخرين المبصرين…
الأقباط حيرونا… اختاروا المنطق بينما انغرس آخرون في (الموايكة) و(الملايقة) لجة لا تنتهي ومواكب مجهلة..
الوثيقة الدستورية وإن صيغت ووقعت اتفاقاً بين طرفين إنما هي ملك للشعب السوداني الذي كتبت باسمه ونيابة عنه، ومثلما تنظم الوثيقة العلاقة بين أجهزة الحكم وتحدد السلطات فإنها تنظم العلاقة ما بين الشعب وحكومته، ليستمدا الطاقة والحيوية اللازمة لإدارة أمر الحياة وسريانها على موثق وتراض، لذا فإن وضعها بهذه الكيفية وكأنها إحدى مخطوطات (الماسون), مضنون بها على غير أهلها، فتلك مجازفة بكل الرصيد الذي حصلت عليه خطوات التغيير في بلادنا، فلا يمكن أن نتحرى نصوصها هكذا كأقراص (الترامدول) خلسة ولواذاً.. ونتسقط أخبارها من بين فينة وعشة، وكأننا لا تستحق أن تنشر لنا، فنعرف ونقرأ ونتجادل عن بينة وإعلان ..
في مرة داهمتنا وثيقة منكرة.. ادعى فيها من نشروها أن لمجلس السيادة الحق المطلق في تعيين عبد القادر والحافظ قضاء ونيابة .. وقلنا يومها إن ذلك تزوير تحت طائلة القانون.. كشفنا ذلك وأحطنا متلقي الحجج علماً… عادوا وقالوا إن الوثيقة “فتحتط، وأن التعديل قد حصل ولا عزاء للمشفقين…توجسنا خيفة، فالوثيقة ليست بأيدينا.. ومن الواضح أن اليد التي امتدت بالتزوير هي ذاتها التي فتحت موضوع التعديل وهي من دعت الناس لمواكب ما بعد التوقيع، وهي التي منعت التوقيع على أي اتفاق أيام الميدان، وهي التي حاولت مراودة المجلس العسكري في أيامه الأخيرة أن يجتاز تلك الأمتار ويفعلها..
لنكتشف – والبركة في العضو السادس ذي الخلفية الدينية- أن ذلك محض هراء، لم تعدل الوثيقة والحمد لله، بكر عوان..
جهة ما بتلعب (لعب ثقييييل) عبثي ومهلك، لا يبدو أن له نهاية أو بد سوى (أن يخربوها ويقعدوا على تلها)..
لا يهمهم إلى أين يمكن أن تصير الأمور وإلى أي مآل ستنتهي النهايات.. بلا حجة أو منطق يجهدون أنفسهم والآخرين من أجل فش غبائنهم وإضاعة الطريق على من عرف ولزم..
بأيدينا أن نمضي بالشوط إلى حيث قيمنا والأخلاق.. أن نتمثلها لنحيا حياتنا الغالية بالنية السليمة.. لا أن ندوس على تلك القيم التي طالما حلمنا بها وأرخينا لأجلها الزمام وأسدلنا الستار..
(وتسلحنا بالوثيقة لن نرجع شبرا)…
ما المانع في أن نشرع الآن في إنفاذ الوثيقة التي كتبتموها بأيديكم دون أي مشورة لأحد غيركم، ودون أدنى مساهمة لاطياف دونكم، ان شاء الله حتى عبارة واحدة للإسلام أو اللغة العربية (بيها نتصبر شوية)، أغلقتم على بعضكم البعض الغرف والصالات وكتبتم الوثيقة.. بشولتها والفاصلة وأقسامها وملحقاتها وطريقة تعديلها، وقبلنا بها على علاتها الظاهرة من تداخل وخلط وحشو وعامية في التعابير والصياغة غير المهنية
non professional drafting
والتي أشبعها البروفيسور محمد إبراهيم خليل تقريعاً بوصفها أنها تشبه بيت الشعر هذا:
“خبز وتمر ورمان ومغفرة
قتلتم الشيخ عثمان بن عفان”
رغم كل ذلك وغيره قبلنا بها في إجماع مُتَماهِ، علّنا ندرك اليابسة..
فلماذا الجميع حريص عليها إلا من كتبها… وكأنكم تناهضون جنياً آخر غيركم كتبها..
(ما تم على يديه فمن المستحيل عليه نقضه)…
ابردوا شوية… ونبقى علي (الحاضرة) وهي كما كتبتموها ووقعتم عليها يوم الأصم وإسراء كالتالي:
(تكوين مجلس تشريعي يجيز قانوني مجلسي القضاء والنيابة بموجبه يُنشأ المجلسان ويختار رئيس قضاء ونائب عام ومن ثم يعتمدهما المجلس السيادي).
تعيين رئيس القضاء والنائب العام الآن بالتعديل المقترح أو بدونه باطل وباطلة كل القرارات والأوامر الصادرة منهما.. رفعت الأقلام وجف الحبر الذي وقعت به الوثيقة.