حمدوك بـ”نيويورك”… إزالة متاريس الإنقاذ
تقرير: مريم أبشر
(نحن في شهر عسل مع العالم)، بتلك الجملة لخص رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حالة الانتعاش التي طغت على علاقات الخرطوم بالعواصم الغربية بعد قطيعة طويلة، غداة تشكيل حكومته المدنية التي أعقبت نظام الإنقاذ الذي يكاد يكون العالم خاصة (الغربي) على قلب رجل واحد في إحكام عزلته سياسياً واقتصادياً ودبلوماسياً بسبب اتهامات محكمة الجنايات الدولية التي طالت رأس النظام، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الأحادية للولايات المتحدة، ووضع اسمه على القائمة السوداء الراعية للإرهاب.
فالسودان الذي ظل معزولاً لسنوات عدة يشهد بعد تكوين حكومته المدنية الجديدة انفتاحاً على زعماء ودول العالم المتسابق لتقديم العون والسند لاقتصاده المنهار، حيث ورث عن النظام المعزول تركة ثقيلة من التحديات والصعوبات الاقتصادية التي شكلت وقود الثورة.
لأول مرة:
الجمعة القادم، سيتوجه حمدوك مترئساً لأول مرة وفد السودان المشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد بنيويورك وسيرافقه عدد من الوزراء وكبار المسئولين بالدولة المعنيين بالملفات محل النقاش بين السودان والأمم المتحدة واجهزتها من جهة، وبين السودان والولايات المتحدة من جهة أخرى، في مقدمتهم وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله.
وطبقاً لمصادر “الصيحة” فإن برنامجاً حافلاً باللقاءات مع كبار المسئولين بالأمم المتحدة في مقدمتهم الأمين العام ومسئولون في الإدارة الأمريكية والكونغرس قد تم ترتيبه لرئيس الوزراء بغرض إجراء اختراق حقيقي في علاقات السودان مع هذه الأطراف الدولية ذات التأثير المباشر على الراهن الذي يعيشه السودان.
ضربة الحظ
القمة العادية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (74) تنعقد هذه المرة تحت شعار (تعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف لمحاربة الفقر والتغيير المناخي وتأكيد جودة التعليم) هي أحد ملفات المشكلات التي تسعى حكومة حمدوك لإيجاد حلول جذرية لها خلال حكومته الانتقالية التي ورثت ملفات شائكة حولها.
ولعل من حُسن الطالع أن تكون قضايا تنال الاهتمام والتشريح على مائدة الأمم المتحدة، وستتاح لحمدوك بحكم خلفيته الاكاديمية التخصصية المشاركة في الاجتماع بجانب قمم ونقاش رفيع المستوى سيتم عقده على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة وتشمل منبراً رفيع المستوى خاص بالالتزام بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة وقمة أخرى حول التغيير المناخي فضلاً عن اجتماع ىخر رفيع حول كيفية شمول الرعاية الطبية.
يقول السفير أبوبكر الصديق الناطق باسم الخارجية، إنه ولأول مرة منذ فترة طويلة يشارك السودان بوفد رفيع المستوى ممثلاً في رئيس الوزراء، وأضاف أن شعار القمة يصب باتجاه الخلفية الأكاديمية لرئيس الوزراء المتعلقة بالتنمية المستدامة. ولفت الصديق إلى أن المشاركة سيصاحبها برنامج مزدحم من اللقاءات لوزير الوزراء، حيث يتوقع أن يجري حمدوك لقاءات كثيرة مع كبار المسئولين بالأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن لقاءات ثنائية مع ممثلي الدول الأوروبية وغيرها. ولفت إلى أن مشاركة حمدوك سبقتها زيارات مهمه لمسئولين من دول كبرى، ابرزها وزير الخارجية الألماني، ووزير خارجية فرنسا الذي سيزور البلاد اليوم، فضلاً عن زيارة مرتقبة لوزير التعاون الدولي السويدي غداً الثلاثاء، ولفت إلى أن حمدوك سيتوجه قبيل مغادرته لنيويورك إلى فرنسا تلبية لدعوة تلقاها من الرئيس الفرنسي ماكرون .
المنصة الأممية
السفير والخبير الدبلوماسي الصادق المقلي رأى في تصريح لـ”الصيحة” أنه من حسن الطالع أن تتزامن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مع تشكيل الحكومة المدنية ودخول السودان مرحلة جديدة تمهد لنظام ديمقراطي.
ويعتقد أن هذه فرصة جيدة لحمدوك رئيس الجهاز التنفيذي أن يلقي خطاب السودان لأول مرة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد أكثر من ربع قرن، حيث ظل السودان محروماً من تقديم خطابه عبر قيادات رفيعة بسبب حرمان رئيس النظام السابق من تأشيرة الدخول، وظل وزراء الخارجية هم من يتناوبون في تقديم خطاب السودان، وتوقع أن يلتقي حمدوك بالأمين العام للأمم المتحدة يطلعه على الخطوات الإيجابية والتحول الذي حدث في سبيل إحلال السلام ونتائج لقاءاته مع قوى الكفاح المسلح، ولفت المقلي إلى أن قوات “يوناميد” الموجودة بدارفور ظل قرار انسحابها بالكامل من دارفور محل شد وجذب بجانب القرار الذي اتُّخذ لفتح الممرات أمام تدفق المواد الإنسانية للمحتاجين، والتأكيد على أن إحلال السلام يمهد لحل النزاع بشكل نهائي، وإعادة النازحين لقراهم. وعبر عن أن أمله في أن يتم ترتيب لقاءات عبر القنوات الدبلوماسية لحمدوك مع الإدارة الامركية وأعضاء الكونغرس للتفاكر حول خطوات رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب بعد أن زالت مبرراتها لجهة أنها شكلت أس الداء وجعلت السودان معزولاً دولياً، فيما يشكل رفع العقوبات الاقتصادية بشكل كلي مفتاح العافية للاقتصاد السوداني والبداية الحقيقية لتدفقات الأموال، فضلا عن بدء المحادثات الرسمية لإعفاء ديون السودان وجدولتها.
وأضاف المقلي أن كثيراً من المفاوضات جرت خلال الفترة الماضية لانضمام السودان لمنظمة التجارة الدولية فشلت بسبب حق النقض الذي استخدمته واشنطن رغم أن المفاوضات قطعت أشواطاً بعيدة.
على كلٍّ، أجمع المراقبون على أن مشاركة حمدوك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فرصة تاريخية لتقديم السودان بوجهه الجديد، كما أن المشاركة ستتيح له الالتقاء بأطياف من كبار المسئولين في الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الالتقاء والتفاعل مع التجمعات الإقليمية والتكتلات التي يشكل السودان عنصراً فاعلاً فيها وإظهار وجهه.