تقرير: نجدة بشارة
لا بأس من التّحالُف مع الشيطان من أجل المصالح.. هكذا قال (تشيرتشل)، ولربما هكذا تقرأ قواعد اللعبة السياسية، حينما (يعلو كعب المَصلحة).. ومع ذلك عجز الكثير من المُراقبين والمُحَلِّلين من تحديد (كنه) التّحالف الذي أعلن عنه مُؤخّراً بين الحزب الشيوعي وحركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، واتّفاقهما لأجل استمرار الحِراك الجماهيري، الوقفات الاحتجاجية، التظاهرات والاعتصامات، مُجدّداً بهدف إسقاط ما أسموه ببقايا النظام السّابق وتفكيك الدولة العميقة وتصفيتها بالكامل، ورغم أنّ هذه المُمارسات السِّياسيَّة كالحراك والتظاهرات وغيرها ينبغي أن تكون (صفحة) طُويت بعد سُقُوط النظام، وإعلان الدولة المدنية، ثُمّ الانتقال إلى مربع البناء إحقاقاً للشعار الجديد (حنبنيهو).. إلاّ أنّ ميلاد هذا التّحالُف دفع بجُملةٍ من التّساؤلات تنتظر الإجابة عَن حقيقة مَا يُريده الشيوعي؟ وماذا أكثر من كَونه جُزءاً من (قحت) ومن الحكومة الانتقالية؟ ومَا الهدف من إعلان هذا التّحالُف مُتزامناً مع إعلان جوبا؟ والى أين مَدَىً سيذهب هذا التّحالُف؟ وما وجه الشبه والطموح بين الكيانين؟!
الشبه والاختلاف
ونبدأ من الجزئية الأخيرة، لعل هنالك أوجه تشابه ورابط بين طموح الحزب الشيوعي، وحركة نور في رفضها للوثيقة الدستورية، ولوجود المُكوِّن العسكري بالفترة الانتقالية، إضافة لميول عبد الواحد اليساري ثم لسعيهم الدؤوب في الهيمنة على كيان الثورة، ورهانهم الدائم على الشارع، ومطالبهم التي تَوَحّدت في حَلِّ كتائب الظِّل، وتفكيك الدولة العميقة، واستعادة أموال ومُمتلكات الشعب المنهوبة والمُحاسبة، وإبعاد الفاسدين من النظام البائد.. إلا أنهما ربما اختلفا من حيث التوجُّه والنضال، ومن حيث المُمارسة السِّياسيَّة.. فالحزب الشيوعي ظلّ لأكثر من عَقدٍ من الزَّمان يُعارِض سِرّاً ودُون الكشف عن أساليبه وأدواته، فيما كانت حركة عبد الواحد تُجاهر النظام السَّابق العَدَاء بالبندقية والمُلاسنات والمُناكفات، حتى أنّ نور فَقَدَ الثقة في كل الأحزاب مِمّن أسماهم بالصفوية بالسودان، وهُنالك تلميحاتٌ سابقةٌ له عن إمكانية إلقاء البندقية أرضاً والعَودة لمُمارسة الفعل السِّياسي من الداخل؛ وربّما ذلك يُعزِّز فكرة التّحالُف وغَرَضُه منه، وعن أوجه الشّبه والاختلاف، يرى المُحلِّل السِّياسي ومُراقب العملية السلمية د. عبد الله آدم خاطر في حديثه لـ(الصيحة) بأنّ هنالك نقاط اتفاق وشبهاً بين الحليفين متمثلةً في الرؤية بين المركزية ومناطق التهميش، إضافةً إلى الدعوة لربط التنمية بالأفراد والمَجموعات التي عَانَت من مركزية الدولة، إلا أنّ الاختلاف يبرز في مُسمّيات المركزية نفسها والتشكيك في الرؤية الكلية للاقتصاد لكلٍّ منهما.
لا تهديدٌ للانتقالي
ونفى خاطر وجود أيِّ تهديدٍ من قِبل التّحالُف تجاه الحكومة الانتقالية، وأردف: إنّ الحكومة الحالية تجد السند الشعبي والدولي، إلا أنّه أشار إلى أن التّحالُف كان يُمكن أن يكون مُستقبلياً وهذا مطلوبٌ لخوض الانتخابات القادمة، رغم أنّ البيان حمل صبغة التشديد، وأشاروا فيه إلى ضرورة مُحاكمة كل من أجرم في حق الشعب وبشكلٍ خاصٍ مُجرمي الحرب في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان ومجزرة فض الاعتصام, إضَافَةً إلى حَل وحَظر حزب المؤتمر الوطني وواجهاته كَافّة، ومُصادرة جميع مُمتلكاته وأُصُوله، والالتزام بإقامة لجنة تحقيق دولية حَول مَجزرة فَضّ الاعتصام.
عُقدة النخب
ومُؤخّراً هاجم نور، قوى الحرية والتغيير، وشدد على أنّ مُشكلة البلاد تكمن فيما وصفها بالسلطة الصفوية الحاكمة منذ الاستقلال وعدم مُخاطبتها لأزمة المُواطن، واعتبر أنّ الحرب لَم تَعُد في دارفور وإنّما في الخرطوم لتغيير قواعد اللعبة السِّياسيَّة، ولتحقيق قواعد الشراكة الوطنية، حتى أنه واجه الشيوعي، وقال في وَقتٍ سَابقٍ: نَلُوم الحزب الشيوعي لأنّه وَجّه اتّهامات للحركات المُسلّحة بأنّها لم تفعل شيئاً (لإسقاط البشير)، وَأَضَافَ: (هذه الحركات هي التي استطاعت تركيع النظام، وجعلته يَنهار عبر استنزاف ميزانية الدولة التي تَحَوّلت إلى ميزانيةٍ حربيةٍ، كَما عزلته دولياً، وهُناك في ذات الزاوية ظلّ الحزب الشيوعي غارقاً في حالة الغُمُوض التي تَلبّسته مُنذ سُقُوط النظام السَّابق وجعلته ينكفئ على ذاته، رَافِضَاً النتائج التي تَوَصّل إليها الكيان السِّياسي الذي يَنضوي تحته (الحُرية والتّغيير) مع المجلس العسكري وَرَفَضَ قُبُول الوثيقة الدستورية أولاً، ثُمّ تَنَصّل عن المُشاركة الفعلية بهياكل السلطة الانتقالية ظاهرياً، رغم مُشاركة الكثير من مُنتسبيه بصفةٍ فرديةٍ بالحكومة الانتقالية، ودُون وضع اعتبار للحزب أو لما يُريده الشيوعي.
مُناورة تكتيكية
وعن التّحالُف، يرى رئيس حركة تحرير السودان جناح السلام مبارك حامد دربين في حديثه لـ(الصيحة) بأنّ إعلان الاتفاق بين الحزب الشيوعي وحركة عبد الواحد مُجرّد مُناورة تَكتيكية من الحزب الشيوعي الذي بَاتَ يحس بفقدان أرضيته في المُمارسة السياسية الفعلية، وأردف: وقد يكون (خميرة عكننة) يطلقها الشيوعي للتشويش على الحكومة الانتقالية وعلى الحرية والتغيير بصفةٍ خاصةٍ، لرؤيته بأنّه قد تم تجاوزه في التوقيع على الوثيقة الدستورية دُون الالتفاف للنظر إلى اعتراضاته.
وقال دربين: لكن في ذات الوقت ربما رأي الشيوعي بأنّ عبد الواحد له تأثيرٌ جَماهيريٌّ، ومازال يمتلك القواعد والكوادر التي يستطيع بها الشيوعي تحريك الشارع، لا سيما في المُعسكرات بدارفور والجامعات، وهذا ما يدفع الشيوعي لاستيعاب كوادر الحركة لخدمة مصالحها الحزبية، في الوقت الذي لم تنظر فيه إلى أنّ عبد الواحد مُنتقد لأحزاب الصفوة التي يعتبر الشيوعي جُزءاً منها.
تطابُق الميول
يرى المحلل السياسي د. صلاح الدومة بأنّ الاختلاف ربما انبثق لتطابُق في الرؤى والأفكار، لا سيما وأنّ عبد الواحد لديه مُيُولٌ يسارية قديمة جمع بينهما في (الفكر) ثم تتطابق الطموح من حيث الرغبة لكليهما في تفكيك الدولة العميقة، وتطبيق دولة القانون، ثم إلغاء القوانين، وتحقيق الأهداف الثلاثة المتمثلة في التعويضات الفردية والجماعية، العودة الطوعية، ومُحاسبة المُتورِّطين، وتساءل الدومة: هل هذه المطالب ضد رغبات الحكومة الحالية، وأجاب أنّ هذه المطالب ربما تكون ضمن أهداف الحكومة الانتقالية، إلا أنّه أشار الى وجود ما يراه عقبة تحول دون ذلك بعض الشخصيات التابعة للنظام السابق من المُكوِّن العسكري.