في الإسقاط والقياس..!

أزمة الإنسانية في كل زمان هي أنها تتقدّم في وسائل قُدرتها، أسرع مِمّا تتقدّم في وسائل حكمتها“.. توفيق الحكيم..!

زُملاء إعلاميون كُثُر تضجّروا من صُور ومَظاهر تفضيل حكومة ما بعد الثورة لوسائل الإعلام الخارجي على وسائل الإعلام الداخلي، وبالتالي تفضيل زملائهم في الإعلام الخارجي على الصحفيين والإعلاميين التابعين للإعلام الداخلي – رسمياً كان أم شعبياً – في  إجراء الحوارات المُهمّة مع المسؤولين، سواء كانوا من أعضاء المجلس السيادي، أو مجلس الوزراء. وقد أرجع مُعظمهم ذلك إلى “موقفٍ” أو رأي سالبٍ – بشأن إعلاميي الداخل – ظلّت تتبناه أو تتخذه الكثير من الشخصيات السيادية والوزارية في حكومة ما بعد الثورة..!

فِي المُقابل، تَضجَّر رُوّاد وسائل التّواصُل الاجتماعي وأعربوا عن قلقهم البالغ واستيائهم الأكيد من عدم “مُبادرة” وزير الإعلام الأستاذ “فيصل محمد صالح” بإقالة مدير التلفزيون القومي، على الرغم من سَيل الاتّهامات المُوجّهة لسياسته في الإدارة، وعلى الرغم من الانتقادات التي طَالت تلفزيون السودان الرسمي بتَعمُّد التقصير في تغطية أهم الأحداث الخَاصّة بمجلس الوزراء..!

وقد تَكَفّل الأستاذ فيصل محمد صالح بإيضاح ما التبس في هذا الشأن قائلاً إن مثل هذه الصلاحيات – إقالة مدير التلفزيون مثالاً – قد آلت إلى السيد رئيس الوزراء بتحوُّل النظام من رئاسي إلى برلماني، وسوف تتم إعادة هيكلة هذه الهيئات والمُؤسّسات للتخفيف من مسؤوليات رئيس الوزراء. وحتى يتم هذا الأمر لا سبيل أمام الحكومة سوى الالتزام بالدستور والقانون. فإقالة مدير التلفزيون إذن لها طريقٌ واحدٌ، هو أن يقوم وزير الإعلام بتقديم توصية لرئيس الوزراء مع مُذكِّرة لشرح الأسباب، وفي هذه الحال تكون استجابة رئيس الوزراء قاطعة. عِندها من المُمكن أن نَرَى – ربما خلال أُسبوعين فقط – تغييراً في كل الأجهزة والمُؤسّسات والوزارات..!

هذا ما كان من أمر دفاع وزارة إعلام – حكومة وزراء – ما بعد الثورة عن موقفها القانوني والأخلاقي بشأن عدم المُبادرة بإقالة مدير التلفزيون القومي. وهو مَوقفٌ مهنيٌّ، تنفيذيٌّ، إداريٌّ لا غبار عليه، وليس بالإمكان – فعلاً – أفضل مِمّا كان..!

ولكن مَاذا عَن موقف أعضاء ذات الحكومة من الإعلام المحلي؟!. هَل يَندرج مَوقف الإعلام المحلي مِن هَذه الثّورة ومن حكومة النظام السَّابق، تَحت ذات المَفهوم؟!. أم أنّه قد كَانَ بالإمكان أفضل مِمّا كان..؟! 

ذات السّبب الذي يَستظل بصرامة تطبيق القَوانين كَانَ ينطبق على سياسات البث والنشر في الإعلام المرئي والمَسموع والمَقروء. وهذا يعني – ببساطة – أنّ طريق حُرية الرأي في عهد النظام السابق كان يمر عبر بَوّابة مَمنوعات ومَحاذير وعُقُوبات النشر. وهذا يعني أيضاً أنّ المسكوت عنه في الحالتين، هو مَسكوتٌ عنه بأمر القانون. إمّا احتراماً وتَفهُّماً لطبيعة الإجراء، كما في حالة إعلام ما بعد الثورة. وإمّا عجزاً أو مُعايشةً لعواقب الخُرُوج عليه، كما في حالة إعلام ما قبل الثورة..!

أعتقد أنّ صُمُود مُعظم أجهزة الإعلام ومُعظم الإعلاميين اللا مُنتمين – وصُمُود مُعظم الصحف السودانية ومُعظم الصحفيين اللا مُنتمين –  في العهد السابق، على الرغم من كل العِلل والمَزَالق، والإشكالات والمَهَالك، التي صَاحبت مسيرة الصحافة والإعلام المُستهدفة بالتفكيك والتدمير والإقصاء، هو شَأنٌ يستحق الاحتفاء والاحترام في هذا العهد الجديد، لا الإقصاء والتجاهُل..!

منى أبوزيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى