ملف البترول
في تصريحاته المنشورة في صحيفة “الصيحة” وضع وزير البترول المهندس عادل إبراهيم نقاطاً في سطور ملف البترول، وكشف بوضوح عن تدنٍّ مُريع في إنتاج البترول وتراكم الديون وعجز الحكومة عن سداد التزاماتها وتعدّيها على أموال الشركات، مما دفع في نهاية الأمر ثلاثة شركاء رئيسيين في الشراكة النفطية الأكبر (شركة النيل لعمليات البترول) للانسحاب دون إخطار الحكومة السودانية، والشركاء الصينيون والماليزيون والهنود اختاروا الخروج بالباب الكبير بعد أن تيقنوا من عدم جدوى الشراكة مع حكومة السودان في ظل عجزهم عن تطوير العمليات الاستكشافية ونضوب آبار البترول الحالية حيث لا يتعدى الإنتاج اليومي الـ٧٠ ألف برميل في اليوم، مما يعرض الشركات لخسائر فادحة في ظل إحجامها عن تطوير العمليات الاستكشافية.
ونضوب آبار البترول الحالية، يضع البلاد على حافة العودة مرة أخرى إلى سودان ما قبل اكتشاف النفط وانسحاب الشركاء دون إخطار الشريك الأول بانسحاب يكشف عن هوة عميقة انحدرت إليها البلاد بعد سنوات من الازدهار والرخاء بدّدها المسؤولون في مشروعات غير ذات جدوى وامتصت بطون القطط الفاسدة عائد البترول الذي جعلت الحكومة السابقة وسنوات تولي د. عوض الجاز وزارة الطاقة شأناً أمنياً لم يستطع حتى البرلمان تناول ملف البترول، وحتى بعد توقيع اتفاقية السلام التي قضت تدابيرها بالتخلي عن وزارة الطاقة للشريك الجنوبي، وجد الوزير مشقة كبيرة في معرفة تفاصيل العقود مع الشركات الأجنبية ولا اتفاقية قسمة العائدات ونصيب الولايات المنتجة التي كانت الحكومة المركزية ترفض الاعتراف بحقها في القسمة غير العادلة.
وزير النفط عادل إبراهيم تحدث بصراحة العالِم بخفايا النفط وأمراضه وأسباب التدهور في هذا القطاع منذ سنوات، حيث اعتمدت الحكومة سياسة التعتيم وإخفاء الحقائق عن المواطنين مما نتج عن ذلك أن رفع بعض أبناء المناطق المنتجة للنفط السلاح في وجه الدولة المركزية مثل حركة شهامة الأولى والثانية وحركة الجندي المظلوم وحركة السافنا إضافة إلى الحركة الشعبية، كل هذه الحركات انطلقت من مناطق إنتاج البترول.
وقد تعرضت مناطق إنتاج البترول لتلوث البيئة جراء عمليات التخلص من الغاز الطبيعي، وتفشت تبعاً لذلك الأمراض الجلدية وتعرض قطيع الثروة الحيوانية للتدمير.
لكن الوزير الجديد يتحدث بوعي وإدراك عميق بأهمية معالجة مثل هذه القضايا، ويبدي أسفه الشديد لتعامل الوزارة مع مشكلات النفط وتجاهلها حقوق الإنسان.
عالمياً ارتكبت شركات البترول فظائع بحق المواطنين والدول الكبرى تملك القدرة على شراء صمت منظمات حقوق الإنسان حيال تلك التجاوزات كما حدث للمزارعين في دولة الكاميرون الذين تعرضوا للقتل والسحل لاعتراضهم على مرور أنابيب النفط التشادي بمزارع الأهالي في طريقه إلى الأنبوب بميناء دوالا .
وفي دولة الجابون قتل ثلاثة آلاف من عناصر حركة مسلحة دافعت عن حقوق الأهالي الذين اغتصبت شركات البترول أراضيهم، وقمعت الدول المستوردة لنفط الجابون المحتجين بعنف وهو ذات ما حدث لمواطني منطقة اللير بأعالي النيل في تسعينات القرن الماضي.
إذاً هذا التاريخ المخزي، فإن وزير النفط والبترول الجديد سيُواجَه بمشكلات لا على صعيد قلة الإنتاج وحده وكيفية إدخال تقانة متطورة في عمليات الاستكشاف والإنتاج والتكرير وصيانة المصافي وتوفير احتياطي عن طريق عمليات ضخ المياه في الآبار وهي عملية في غاية التعقيد التقني لم يشأ الصينيون الإنفاق عليها واستخدموا تقنية متخلفة بأثمان زهيدة مما يتطلب الانتقال لتقنية غربية أكثر تطورًا .
ولن يتأتى ذلك قبل رفع اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب وبذلك تختلط الأوراق السياسية بالاحتياجات الاقتصادية، ولكن الوزير الذي بدأ فترته الانتقالية برفض مظاهر الاحتفاء بقدومه للوزارة يبدو أكثر جدية من غيره للانتقال بقطاع البترول من الواقع الحالي إلى واقع أفضل، لكن هل يجد الوزير الدعم والسند للتخطيط لينهض قطاع النفط مرة أخري خلال السنوات الخمسة القادمة؟ أم يسترخي الجميع وينتظرون أن تجود على السودان البلدان الخليجية بالغاز والجازولين وتترك الحكومة الذهب الأسود في باطن الأرض؟