أرسل إلي بعض الإخوة صوراً لفتيات رفعن لافتات في أحد المواقع في الأيام الماضية من بين تلك اللافتات ما يحمل عبارات التمرد على ولاية الآبناء على البنات!! ويصطلحن على بعضه بمصطلحات غريبة مثل (رفع التسلط الأبوي، والتحكم الذكوري، وغير ذلك)، وبغير حياء أو خجل بل يقوم البعض بتصويرهن وهن بذلك الحال يرفعن مطالبات مخالفة للشرع الحكيم والعقل السليم والفطرة القويمة التي لم تتلوث بأفكار المذاهب المنحرفة عن جادة المسلمين .
لهؤلاء الفتيات المغشوشات أبيّن جانباً من جوانب مصالح ولاية آبائهن عليهن، أقول:
لقد راعت الشريعة الإسلامية في اشتراطها الولي في النكاح مقاصد عظيمة يمكن إجمالها في ما يلي: في الولاية على المرأة في النكاح رعاية لحقها وصيانة لكمال أدبها وكرم حيائها وإيصالها إلى مرادها على أتم وجه وأشرفه وأكمله، دون هضم لحقها في اختيار من ترضاه زوجاً لها إن كانت قادرة على النظر وحسن الاختيار ودون إهمال لها بتركها تضع يدها في يد من تهوى، في عقد جليل قدره، عظيم خطره، إن وقعت منها الزلة ففي محل لا تهون فيه الزلة، ولا تقتصر عليها في تلك المعرة، وهذا بخلاف ما إذا كان أمر نكاحها شورى بينها وبين أوليائها، بحيث يكون لرجالها فيه إبرام عقدته، ولها فيه إملاء شروطها حتى تطيب نفسها – بشرط ألا تختار ما لا خيرة لها فيه مما يجب عليها وعلى وليها رعايته – وبهذا يكون لها غنم هذا العقد وهو الغالب حين يقام على تقوى الله فكرة واختياراً وعقداً وأما إن حصل غير ذلك بسبب أوليائها فاستدراك الضرر الحاصل منهم ليس كاستدراكه منها حين تتولّاه بنفسها.
فليست هذه الولاية ولاية قهر وإذلال، ولا استغلال لحياء الكريمات من النساء اللاتي يعز عليهن إبداء رغبتهن في الأزواج، كما يصوره من قصر نظره أو ساءت نيته، وإنما هو حفظ للحقوق وصيانة للأعراض وتمسك بالفضيلة في أجمل وأزهى صورها وأرفع وأسمى معانيها.
وأما قياس عقد الزواج على عقد البيع، فإنه غير صحيح، للاختلاف الحاصل بين ما يترتب على البيع وما يترتب على الزواج، فالضرر في ما يترتب على الزواج في بعض الأحوال يتعدى المرأة إلى أوليائها، فيقع عليهم من الضرر من ذلك ما لا يقارن بالضرر في البيع، لذلك ناسب أن يأتي في التشريع اشتراط الولي لعقد الزواج، خلافاً لعقد البيع للمرأة.
فإن النكاح عقد جليل قدره عظيم خطره في حياة الإنسان، وفي إسناده إلى الأولياء من الرجال الذين هم أكمل نظراً وأوفر عقلاً وأشد حرصاً على صيانة أعراضهم وأنسابهم تكريماً للمرأة وصيانة لها، وحفظاً للأنساب والأعراض من العار والزلل، وبذلك فارق العقود المالية التي يجوز للمرأة التصرف فيها، لأنها مهما قيل في أهميتها فلا تصل أو تقارب مكانة عقد النكاح في جلالة قدره، وعظم خطره، وشرف مقاصده.
قال العلامة القرافي المالكي في الفرق بين قاعدة (الحجر على النسوان في الأبضاع وبين قاعدة عدم الحجر عليهن في الأموال) : (والفرق من وجوه: أحدها: أن الأبضاع أشد خطراً وأعظم قدراً، فناسب ألا تفوض إلا لكامل العقل ينظر في مصالحها، والأموال خسيسة بالنسبة إليها، فجاز تفويضها لمالكها، إذ الأصل ألا يتصرف في المال إلا مالكه.
ثانيها : أن الأبضاع يعرض لها تنفيذ الأغراض في تحصيل الشهوات القوية التي يبذل لأجلها عظيم المال، ومثل هذا الهوى يغطي على عقل المرأة وجوه المصالح لضعفه، فتلقي نفسها لأجل هواها فيما يرديها في دنياها وأخراها، فحجر عليها على الإطلاق لاحتمال توقع الهوى المفسد، ولا يحصل في المال مثل هذا الهوى والشهوة القاهرة التي ربما حصل الجنون وذهاب العقل بسبب فواتها.
وثالثها: أن المفسدة إذا حصلت في الأبضاع بسبب زواج غير الأكفاء وصل الضرر وتعدي للأولياء بالعار والفضيحة الشنعاء، وإذا حصل الفساد في المال لا يكاد يتعدى المرأة، وليس فيه من العار والفضيحة ما في الأبضاع والاستيلاء عليها من الأراذل والأخساء، فهذه فروق عظيمة بين القاعدتين، وقد سئل بعض الفضلاء عن المرأة تزوج نفسها، فقال في الجواب: “المرأة محل الزلل والعار إذا وقع لم يزل”).
وقال ابن العربي المالكي: (فلم يجعل الله تعالى العقد إلى المرأة أولا مخافة أن تغلب شهوتها عقلها فتضع نفسها في غير موضعها… ولما كانت فائدة الولي في النكاح حفظ المرأة من الوقوع في غير الكفء فتلوث نفسها وتلحق العار بحسبها….).
لهذه المصالح المهمة اشترطت الشريعة، لأن يتم عقد الزواج : الولي، وحكم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم صحة النكاح بغير ولي في أحاديث صحيحة معلومة، وبيّن أن المرأة لا تزوّج المرأة ولا تزوج نفسها وهو قول جمهور أهل العلم، وهو مذهب الإمام ماك رحمه الله، إلا أنها لم تترك الأمر للولي كما يشاء ويختا ، فأوجبت عليه القيام بما فيه مصلحة المرأة وحرّمت تزويجها من لا ترضاه كما منعت من منعها الزواج وهو المعروف بالعضل وهما أمران أبينهما لاحقاً إن شاء الله .