*أماتَ أَبوك؟ ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي ففي البيت منه روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ تَفَتَّقُ عن ألف غُصنٍ صبي جريدتُه.. تَبْغُهُ.. مُتَّكَاهُ كأنَّ أبي –بَعْدُ– لم يذهَبِ وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ على حالهِ.
نزار قباني
*الوصف أعلاه وأكثر هو حال والدنا حسن ود حاج محمد ود محمود ود باعو الذي رحل في صمت وهدوء، ووجهه يطل إشراقاً ونورًا، ليترك لنا أشياءه كما هي فاعتصر القلب حزناً على فراقه والعقل دعاء لروحه الطاهرة إن شاء الله.
*رحل أبي وترك فينا جرحاً غائراً وهو الرجل الباش الذي لا تفارق الابتسامة وجهه منذ أن وعينا على هذه الفانية، لم نره غاضباً ولا منتهراً لنا ولا لرفقائنا في القوز.
*رحل “ود الحاج” وجعل الجميع يذرف الدموع على فراقه، صغيرنا قبل كبيرنا شيوخنا قبل شبابنا، رحل ابي وشلالات الدموع كانت تسيل من الجميع، أهل السليمانية شرقها وغربها والجموعية والقوز وجل أحياء الخرطوم رأيت الدموع في مقلهم وأحسست الحزن العميق في قلوبهم.
*ابي.. لم أصدق بعد أنني لن أراك مرة اخرى ولن أناولك فنجان القهوة لتحدثني عن ذكريات الماضي في الحوش الفسيح، عذراً أبي فالدنيا أم قدود عمارها خراب…لا بتتلم شاردة.. ولا الفرق بنجاب.. لا فات السنين والزمن دولاب.
*اعلم أبي أن جيرانك جميعهم ذرفوا دموع الحزن على رحيلك، واصدقاؤك بعضهم مرض من حزن الفراق وأهلك ثلاث ليالٍ وتزيد ولم تفارق الدموع مقلهم، أبناؤك يا أبي لم تزل عنهم بعد دهشة الرحيل و”عاطف” الذي سألت عنه يوم رحيلك جاء ليبكي على قبرك ويدعو لك بالرحمة والمغفرة وجنة عرضها السموات والأرض.
*معز أتاك يا أبي ..مسرعاً ليشرب معك فنجان القهوة الذي تريد ولكن الأقدار يا أبي كانت أسرع فلم يتذوق قهوتك وونستك الممزوجة بالطيبة والحنان، ولكنه وجدك بجوار الله يحفك برحمته ومغفرته وكرمه، وسيظل يدعو لك حتى ينقضي الأجل.
*والدي.. جيرانك جميعهم شهدوا بفقدك واهلك جلهم حزنوا لفراقك، وإن كانت الدموع يا أبي تعيد الراحلين لعدت لنا وكنت بيننا، ولكن دموع الحزن والفراق لم تفعل لنا شيئاً.
*أبي.. جميعنا بكينا حزناً على فراقك، ولم تجف مدامعنا فرحيلك كان كالعلقم لنا وأشد مرارة منه.
*والدي.. الآن علمت أن موت الاب شوق مُميت وفقدُ شديد وحنين مُلازم وحياة أخرى تنشلك من الفرح وتُفقدك لذة الأشياء.
*من يأتي لي بقلب كقلب أبي الراحل، من يستوعب تلك الحكايا التي تستوطن قلبي وتأكل ذاكرتي، من ينفض الحزن عني بعد رحيلك.
*أعدك يا أبي ان نصل أرحامنا كما كنت تفعل وأن نجعل البسمة على شفاهنا كما كانت عادتك وأن نكون مسامحين كما تعودنا عليك وأن نربي أبناءنا كما ربيتنا على حب الخير والتراحم وحسن الأدب والأخلاق.
*أبي.. نسأل الله أن يبدلك داراً خيراً من دارك وأهلاً خيراً من أهلك وأن يغفر لك ويرحمك ويحسن إليك ويسكنك الفردوس الأعلى مع الشهداء والمحسنين وحسن أولئك رفيقا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، و”إنا لله وإنا إليه راجعون”.