محاكمة البشير… وقائع وشواهد
الخرطوم: أم سلمة العشا
تصوير: محمد نور محكر
على غير العادة، استمرت جلسة محاكمة الرئيس السابق عمر البشير، أكثر من (4) ساعات، بخلاف الزمن المعهود للجلسة، المخصصة لسماع شهود الدفاع في الدعوى الجنائية، الموجهة ضد البشير، بجانب رد المحكمة حول طلبات تقدم بها ممثل الدفاع في الجلسة الماضية تتعلق بموضوع التهم الموجهة إليه… في المقابل تلا قاضي المحكمة المكلف د. الصادق عبد الرحمن الفكي رد هيئة الاتهام وفقاً لما نص عليه القانون، وحفل الرد باستدلال نماذج لعهود الصحابة رضي الله عنهم، في حكمهم بالقضاء، بجانب الاستدلال بنماذج حكم فيها القضاء السوداني، بموافقة المتهم، دلالة لتمتعه بالاستقلالية التامة، دون انحياز لأي شخص… وبحسب رد قاضي المحكمة فإن طلب هيئة الدفاع شكك في القُضاة اللذين سجلوا الاعتراف القضائي، وكال إليهم التهم، بأن لديهم عداء سافر مع البشير، كما أنهم ينتمون إلى نادي أعضاء النيابة، وخرجوا في جميع الوقفات الاحتجاجية، والمظاهرات المنددة بسقوط البشير، كما أن القُضاة الذين سجلوا الاعتراف القضائي، لهم علاقة بالانتماء لحزب سياسي (لم يحددوه)، “وهذا يتعارض مع استقلال القضاء”.
إسقاط تهم وإبقاء أخرى
عقب فراغ قاضي المحكمة من قراءة رد طلبات الدفاع المتعلقة بتعديل ورقة الاتهام بموجب المادة (47) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، وطلب يتعلق بملابسات الاعتراف القضائي، بموجب المادة (140) من قانون الإجراءات الجنائية، بجانب طلب تعديل أمر الطوارئ رقم (6) الخاص بحظر تخزين العملة الوطنية الصادر من رئيس المجلس العسكري الانتقالي الصادر بتاريخ 27 يونيو 2019، عليه قرر القاضي رفض طلب هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول، عمر البشير، بإعادة استجواب الأخير وسحب اعترافات سابقة له بتلقيه أموالاً بشكل شخصي من دولة أجنبية، وشطب تهم حيازة عملات وطنية وتكوين ثروة غير مشروعة ضد البشير، بجانب حذف تهمة حيازة العملة الوطنية بموجب أمر الطوارئ “3”، والذي تم إلغاؤه من رئيس المجلس العسكري السابق رئيس المجلس السيادي، كما حذفت التهمة تحت المادة “9” من قانون مكافحة الثراء الحرام والمشبوه، المتعلقة بتقديم إقرارات الذمة، مسببة حذفها من التهم الموجهة للبشير بأن النيابة لم توجه بها اتهاماً”، فيما أمرت المحكمة بـ “الإبقاء على تهمة حجز العملة المحلية “5” ملايين جنيه و(306) ألف دولار.
طلب غير مقبول
وقال قاضي المحكمة، الصادق عبد الرحمن الفكي، في الجلسة، إن طلب الدفاع لا يعيب الإقرار القضائي، باعتبار أن البينة في التهم الموجهة للبشير قد توفرت أمام المحكمة، وعليه نرى الطلب غير مقبول، وأضاف الفكي أن التهم الموجهة للبشير تتعلق بمشروعية استلامه أموالاً بطريقة غير شرعية، وهو ما أقر به وجاء على لسانه بخصوص استلامه أموالاً من الأمير محمد بن سلمان، وأمر القاضي بالاستمرار في المحاكمة والاستماع للشهود.
بداية الشهود
بدأت الربكة ظاهرة على ممثل الدفاع هاشم أبو بكر الجعلي، لحظة حضور شاهد الدفاع الأول والذي يعمل بهيئة الجمارك السودانية، للإدلاء بشهادته حسب الإعلان المسبق من قبل المحكمة وفقاً لكشف بأسماء الشهود المقدم من هيئة الدفاع، للمحكمة، وكست الدهشة وجه ممثل الدفاع الذي كان حسب تخطيطه أن يكون الشهود وفقاً لما هو مخطط ومبرمج له، حيث استمعت المحكمة إلى إفادة الشاهد معاوية عمر سعيد نقيب بشرطة الجمارك، وقال إن الجمارك معنية بإدخال كل البضائع والسلع إلى السودان، بجانب العملة الأجنبية التي تعتبر بضائع، وفقاً للمادة (12) من قانون الجمارك لسنة 2010، وأشار إلى أن النقد الأجنبي بحسب اللوائح في الأصل يكون بصحبة راكب ثم يليه الإفصاح عنه من قبل الراكب وفقاً لأورنيك محدد للموانئ الجوية، وأضاف ” الإعلان إلزامي لكل راكب وفقاً لسياسة الدولة، وأوضح أن نظام الإعلان تم إلغاء العمل به واستعيض عنه بنظام الإفصاح في العام 2015، وفقاً لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وزاد أن نظام الإعلان تم إلغاؤه في العام 1992.
شاهد مثير
ما أن سمح القاضي بدخول شاهد الدفاع الثاني حاتم حسن بخيت، للإدلاء بشاهدته إلا وكان اعتراض هيئة الاتهام جاهزاً قبل حضوره لقاعة المحكمة، وجاء الاعتراض من قبل رئيس هيئة الاتهام ياسر بشير البخاري، على أن الشاهد حاتم حسن بخيت الماثل أمام المحكمة متهم أساسي في البلاغ محل القضية، ونسبة لاختفائه هو والمتهم طارق سر الختم، تم فصل الاتهام في مواجهتهما، وبالتالي هما شريكان في هذه الجريمة، حسب قوله، ولا تنطبق عليهم في هذه الحالات كشاهد، حسب القانون ووفقاً للمادة (59) من قانون الإجراءات الجنائية تم القبض عليه والتحري معه في ذات الدعوى في الاشتراك الجنائي، وتم التحري معه والإفراج عنه بالضمانة العادية، ووجهت له تهمة في ذات مواد الاتهام مع المتهم، بعد إصدار أمر قبض عليه في يوم 5/9/2019، وما أن فرغ رئيس الاتهام جاء رد ممثل الدفاع هاشم أبو بكر الجعلي، وقال إن الشاهد حاتم حسن بخيت الماثل أمام المحكمة ليس متهماً في البلاغ رقم (40/2019) كما أن البلاغ يحاكم فيه شخص واحد، الرئيس السابق عمر البشير، وزاد أنه جاء في الطلب أنه قد تم فصل الاتهام في مواجهة الشاهد الماثل وآخر، وهذا وحده يكفي لرفض الطلب غير المؤسسي، وأضاف أن الشاهد لم يختف بل تم استدعاؤه للتحقيق والتحري معه مرتين، وظل يشغل وظيفته كأمين عام عام لمجلس الصداقة الشعبية، بعد أن أحيل على التقاعد بالمعاش.
تشويه سمعة
قدمت هيئة الدفاع عن البشير الشاهد حاتم حسن بخيت، مدير مكاتب البشير، للاستماع لأقواله، واتهم بخيت، النيابة، بتشويه سمعته بالحديث عن هروبه وعدم تواجده في البلاد رغم أنه قدم للنيابة كل معلومات موقع منزله وأرقام هاتفه وشقيقه، وأضاف ” أنا لم أغادر البلاد وأبعد موقع ذهبت إليه تقديم العزاء في منزل بجبرة”، وبعد مداولات عدة، قرر قاضي المحكمة سماع شهادة بخيت والإدلاء بإفاداته للمحكمة.
وكان ممثل الدفاع أكثر دفاعاً عن الشاهد أمام المحكمة، إذ أنه كشف عن تعرض بخيت لتهديد في حال حضوره للمحكمة، من دون توضيح نوعية التهديد أو الجهة التي تقف خلفه، الأمر الذي نأت هيئة الاتهام بنفسها عنه بشدة، وطالبت الشاهد بذكر من قام بتهديده في الحال، وأكدت سيتم تحقيق في الأمر في الحال، وقال بخيت إنه تلقى في الأسبوع الثالث من يناير 2018 رسالة من محمد بن سلمان عبر وفد سعودي مكون من 3 أشخاص قابلوه في المطار، وسلموه حقيبة فيها أموال باليورو تعادل 25 مليون دولار تم التوقيع باستلام المبلغ، بجانب التقاط صورة مع الوفد السعودي لحظة التسليم، وكشف بخيت أنه أبلغ البشير بفحوى الرسالة المقدمة من العاهل السعودي، وسلمها له ببيت الضيافة، وأضاف أن “البشير تعامل مع الأمر بشكل عادي، وعندما أطلعته على موضوع الحقيبة رد قائلا: “خير”، و”مضى لصلاة المغرب” وبسؤال القاضي له عن لماذا لم يأخذها معه، رد بخيت “حيشيلها في راسو خلاها ومشى “للصلاة”. وقال حاتم حسن بخيت، إنه ومن باب الالتزام الأخلاقي رفض السفر خارج البلاد مستشفياً من إصابة في اليد، ليكون جاهزاً للمثول للشهادة لافتاً النظر إلى أنه كان واثقاً من أن أحد اطراف القضية سيحتاج إليه سواء الاتهام أو الدفاع أو الرئيس السابق.
سماع بقية شهود
واستمعت المحكمة إلى بقية شهود الدفاع، في عدة مؤسسات بالدولة، شملت التصنيع الحربي، ووزارة المالية، وهيئة الجمارك السودانية، وزارة الدفاع، وأقر الشهود بتلقيهم واستلامهم مبالغ مالية، تم إيداعها في بنوك بحسابات مؤسساتهم.
وأكد مسؤول وزارة الدفاع بتسلمه مبلغ 4 ملايين يورو و250 ألف يورو، خاصة بمشروعات مطار كنانة والشوك، فيما أقر مسؤول التصنيع الحربي، بتسلمه مبلغ (1.200) يورو، بتاريخ 18/12/2018، نقداً.
وأكد الشاهد من وزارة المالية أنه لابد من أخذ الإذن ابتداء من وزير المالية قبل تلقي أي منحة أو قرض، فيما أقر شاهد الجمارك بأن أي عملة تتجاوز عشرة آلاف دولار يجب الإفصاح عنها، وهذا لم يحدث في قضية المتهم البشير، بينما أفاد بقية الشهود أن الأموال وصلت إليهم من رئاسة الجمهورية.
وحددت المحكمة 21/9/2019 لسماع بقية شهود الدفاع.
وشطبت المحكمة تهمة حيازة النقد الأجنبي المتعلقة بأكثر من مليون جنيه، استناداً لتعديل أمر الطوارئ في 11/4/2019، تهمة الثراء الحرام المتعلقة بإقرارات الذمة، فيما أبقت على بقية التهم الموجهة ضد البشير، رداً على طلب تقدمت به هيئة الدفاع في الجلسة الماضية بذات الخصوص.