الويكة واستقلال القضاء
قبل نحو أسبوعين كتبتُ في هذه الزاوية عموداً بعنوان (الويكة واستقلال القضاء) ما يلي:
(ثقالة دم فاجعة تبذلها بعض العناصر في “قحت” وهي تحاول فرض مرشحيها لسدة العدالة..
كلما أغلق عليهم باب عادوا من آخر، حتى إذا ما أوصدت عليهم وغُلّقت كل الأبواب راودوا النوافذ والكوات.. في لزوجة عطنة ومساعٍ لا تختبئ مراميها ولا تندس).
وكنت أظن أنها (خازوق) وعدّى، وأن العقلاء ما زالوا على قيد الفعل الإيجابي والمدافعة.. لكنهم خذلوني، وأعادوا الكرة مرة أخري في موكب ممدود صوب القصر لتعيين محمد الحافظ نائباً عاماً ومحمد عبد القادر رئيساً للقضاء..
بأمر من بعض المتفلتين في (قحت)..
غالب ناس الحرية والتغيير قرروا وكتبوا سياقاً آخر مخالفًا لما تنادى له قلة دونهم.. ثم أنفذوا رأيهم ميثاقاً غليظاً تعاهدوا عليه في الوثيقة الدستورية التي لم يجف حبر التوقيع عليها بعد.. والتي أضحت نافِذة وحاكِمة للفترة الانتقالية، التف المخالفون وضغطوا من الأبواب (الحلقومية) فرضاً لرأيهم المعيب وناسهم غير المستقلين والمشكوك في صحتهم، ليعاودوا رفع (الشعارات) فوق أسنة الرماح..)
استقلال قضاء شنو البنحققوا بي الاثنين ديل !؟.
إلا إذا تغير معنى مصطلح استقلال القضاء و(اتغيرت أنت خلاص..نسيت الناس).
مع كامل احترامنا لهما وترحيبنا بهما في دوائر أخرى ليس بينها القضاء والنيابة .
وسوال لا يبارح، ما هو الفرق بين المدنية وبين دولة التمكين!؟..
في كل ثورات الدنيا بما فيها أكتوبر وأبريل لم يمض الهتاف المُر نحو السلطة القضائية..
حيث تعامل معها الوعي الجمعي باحترام لازم وتقدير قائم على افتراض -لا ينبغي مناوشته- إنها مستقلة.. تسود روح الثورة فتغلب، فهي ليست محتاجة لدهاقنة وكهنة وحفظة أسرار ليثبتوها في الأندية أو المنابر المسيسة..إنهم (لبلاب) لا يلبث أن يخنق الثورة والمستقبل.
خرجنا الخميس سوية أنا والأستاذ محمد الحافظ من جلسة في محكمة الخرطوم شمال وقبل أن نشرع في مناقشة بعض التفاصيل المتعلقة بالجلسة هاجمتنا ردهة المحكمة، وتناوبت عليه قوافل من (كسير التلج) الطاغي والذي رد عليه الحافظ بالقول:
(لسع يا جماعة لسع؟!)..
أفزعتني ابتسامته.. وأنه (كيف قاعد مطمن).. فتركته وسط جوقته محاولاً لحاق الموكب قبل أن يخرج!!.
فيما أتذكر أن محمد عبد القادر وقبل أيام أطلق اعتذاره عن المنصب في بادرة احتسبت له ولصالح التعافي والرشد، فما الذي تغير ولماذا يعاود كل هذا (اللايوق) الظهور والتظاهر مرة أخرى وكنت أظنها لن تكتم مرة أخرى..
كتب رئيس القضاء -المأمول- ما يلي:
(في ظل ما أبديته من أسباب في مقدمتها ضرورة التعامل بشفافية تجاه مبدأ استقلال القضاء، وفي ظل وجود المئات من زملائي المحترمين/ القضاة السابقين والمحامين والمستشارين وبعض القضاة بالخدمة، داخل وخارج القطر، من أصحاب الكفاءة والرؤية، وفي ظل ما يحيط بالمشهد من تصعيد، لآراء مؤيدة وأخرى معارضة، فإنني أعلن ما سبق وأن أخطرت به “قحت”، عن تراجعي عن موافقتي على الترشح، وأحس بحرج شديد أن أكون محوراً لهذا الهدف النبيل الذي يعمل من أجله الجميع).. انتهى مولانا…
لكنهم لم ينتهوا!!
كان عبد القادر واعياً ومدركاً لأن تلك الطريقة التي تريدها لوبي وعصابات “قحت” ستقصم ظهر استقلال القضاء ليفقد القضاء والقضاة احترام الناس وستنتهي وإلى الأبد ثقتهم فيه..
ثم أن عبد القادر وليس نحن يرى أن من شأن الإصرار واستمرار وجوده كمرشح لرئاسة القضاء، يتناقض والحديث عن الإيمان باستقلال القضاء، كما يعتبر عدم اطمئنان بعض الناس لعدالة قضاء يترأسه، قد يمثلون أمامه كمتهمين، جور على حقهم الطبيعي كمواطنين، في أن يروا العدالة ويملأهم الإحساس بها، قبل أن تتحقق كواقع، ويقطع مولانا عبد القادر نفسه الطريق أمام المتلاعبين ليقول:(تعيين رئيس قضاء في هذه المرحلة، لا يسنده اي نص في الوثيقة الدستورية).
مرحباً بمولانا عبدالقادر رئيساً للمؤتمر القومي للإصلاح القانوني لمعالجة أوجه القصور والمداواة، ولا مانع أن يكون الحافظ مقرراً.. ولا عزاء لحجة عشة.