ما يتَرتَّب على عملية السلام..
يحتار المرء.. في الذي حدث من قبل ودفع بقوى إعلان الحرية والتغيير أن تتنكّر بعد اجتماعات أديس أبابا لحُلفائها في الجبهة الثورية، ويُدَقُّ بينهما عطر منشم، وتتباعد الخطى، ويتم توقيع الوثيقة الدستورية دون إضافة ما تمَّ التفاهمُ حوله، وتتبادلان الاتهامات، ولم تُفلِح بعدها اجتماعات القاهرة في تقريب الشقة، واستعرت الحربُ الكلامية ولم ينطفئ أوراها إلا عَقِب اجتماعات جوبا الأسبوع الماضي، ولولا جهود المُكوّن العسكري في المجلس السيادي لِما تمّ الاتفاقُ وتمهيد الطريق أمام قاطرة السلام للتحرّك من جديد.
ويُتوقّع عقب توقيع الاتفاق الإطاري أن تُختَتم عملية السلام باتفاق نهائي تبدأ مفاوضاته في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر المقبل.
لابد أن هناك الكثير والمثير الخَطِر، في تلك المواقف غير المفهومة التي جعلت قوى إعلان الحرية تُحاوِل الانفراد بالسلطة دون الحركات المسلحة، ومن حملوا السلاح ضد النظام السابق. وقد اغترّت قوى إعلان الحرية بما تحقّق لديها وحاولت إبعاد الجبهة الثورية وتجاهلها بصياغات غامِضة “إكليشيهات” محفوظة حول أهمية السلام والسعي إليه، لكنها اكتشفت سريعاً وسريعاً جداً أن الاستقرار السياسي والأمني والإصلاح الاقتصادي هو صِنوٌ لعملية السلام، لا يُمكِن للبلاد أن تخطو إلى الأمام خطوة واحدة إذا كانت هناك فوهة بندقية لا تزال تُلَعلِع بالرصاص، فصناعة السلام وإنهاء النزاعات المسلحة هي أوجب واجبات التركيبة الحاكمة الآن، وأن تحاول إصلاح الخطأ أفضل من التمادي فيه، والطمع في السلطة والتهام الكيكة وحدك ليس بذي جدوى إن كانت هناك مجموعة مُعارِضة تتّخذ من السلاح والقتال سبيلاً للوصول إلى الهدف السياسي.
الآن بعد أن تم توقيع الاتفاق الإطاري نهاية الأسبوع الماضي، الذي سعى إليه ونجح فيه المجلس السيادي، باعتبار أن ملف السلام هو القضية الوطنية الأولى التي يضطلع بها المسؤولون من أعمال السيادة، ثم زيارة رئيس الجهاز التنفيذي لجوبا، وتأكيده على الالتزامات كافة، المُتعلّقة باستحقاق السلام وجلوسه إلى قيادة الجبهة الثورية والحركة الشعبية بقيادة الحلو، يجب بعد كل هذا أن يُوضَع في الاعتبار ما يترتّب على هذه الخطوة التي ستُعِيد بلا شك تشكيل أجهزة الحكم ومستويات السلطة الانتقالية، وستكون هناك محاصصات قادِمة تُعالِج الاختلال الذي حدث.
إذا لم تُحسن إعادة تركيب السلطة الحالية وتفكيكها بما يتوافَق مع هذا الحجمُ من الحركات وحاملي السلاح وإرضاء كافة الأطراف التي كانت تدور في مناطقِها الحربُ، فإن مشروع السلام لن ينجح، وستَلِد الحربُ حرباً أخرى، ومن الحِكمة أن يُستَرضَى في تقاسُم عادلٍ للسلطة كل من حمل السلاح من أجل قضية مُتعلّقة بالمُشاركة السياسية والتهميش والظلم، حتى لا تتكرّر هذه الحروب اللعينة التي دمّرت البلاد وجعلتها تتخلَّف في مِضمار التنمية والتنمية السياسية والاجتماعية، وهناك عوامل كثيرة داخلية وإقليمية ودولية تجعل من قضية السلام مُتَّفقاً عليها، فالإرادة الدولية والإقليمية مُوحَّدة أكثر من أي وقتٍ مضى لإتمام العملية السلمية، ولم تعُد القضايا التي كانت تعوق عملية السلام كالتي كانت في العهد السابق منها ظلال الأيدولوجيا التي كانت تمثّل هاجساً للحركات المُسلّحة ومن يقف خلفها من القوى الإقليمية والدولية، وأيضاً كان هناك موقفٌ مُحدَّد وقاطع يتعلَّق بالسيادة الوطنية في مسائل الممرات لإيصال المُساعدات والترتيبات العسكرية والأمنية ونوع المشاركة السياسية. فالواضح الآن، أن هناك تنازُلات تم تقديمها من الخرطوم لأجل التسوية السياسية، بجانبِ سأمٍ من الحركات من جدوى الحرب، وعدم القُدرة على مواصلتها، فالحركات فقدت الداعم بالمال والعتاد الحربي، كما فقدت الدعم السياسي والدعائي الخارجي، كما فقدت المورد البشري لقواتها، فبعض الحركات لا توجد لديها قوات، مُجرّد لافتات وأسماء سياسية دون أي وجود على الأرض.
إذا كانت الفرصة مواتية اليوم للسلام، فإن التفكِير الرّاشِد أن تتنازَل الحركات من مطالبها السابقة بشأن الترتيبات العسكرية، عليها القبول بعمليات ( DDR) بتسريح قواتها وإعادة دمج بعضها والتحوّل بشكل نهائي إلى أحزاب سياسية، وتنسى تماماً أن لديها قوات عسكرية أو مجموعات تأتمِر بأمرها عسكرياً.
لا يكون السلامُ موجوداً وفاعِلاً إذا لم تُصَفَّ قوات الحركات وتندغِم بالكامِل في العمل السياسي كأحزاب مدنية لا علاقة لها بأي مظهر عسكري أو نظامي.