اغتيال “سودانير”.. الجريمة الكاملة (2)
خفايا وأسرار تُنشر لأول مرة لبيع "خط هيثرو"
القصة الكاملة لدخول شركة “عارف” الكويتية
بداية النهاية للشركة كانت بعد محاولة اغتيال حسني مبارك
كيف تم تحويل ملكية إحدى الطائرات باسم إرتري لإدخالها إلى السودان
تحقيق: محيي الدين شجر
لمعرفة تفاصيل أكثر عن الخطوط الجوية السودانية (سودانير) أسباب انهيارها، وخفايا بيع خط هيثرو وأسرارعقد بيعها لشركة عارف الكويتية، التقت (الصيحة) بالمهندس الفاتح مكي معروف مدير عام الطيران المدني الأسبق وعضو لجان التحقيق التي تشكلت للتقصي حول بيع خط هيثرو وبيع الخطوط الجوية السودانية إلى شركة عارف,
إشكال إداري:
يقول المهندس الفاتح: إن مشكلة سودانير أقول كما قالت شركة (تي دبيلو إيه الأمريكية) في بداية الثمانينات في ديباجة الشركة، إنها مشكلة إدارية ومشكلة قلة رأس المال، لأنها لا تملك إمكانات لتكون شركة تنافس الشركات الموجودة.
وأضاف بقوله: كتبت هذا الحديث في تقرير أملك نسخة منه، ولهذا أقول: هل هو سوء إدارة أو عدم ثبات في الإدارة، لأن فهم الشخص الجديد والذي يأتي من خارج الطيران يقول إن المشكلة في العمالة، وحين يجلس مع العاملين ويعرف الحقيقة وينطلق، يصدر قرار آخر بإعفائه، وهي حلقة مفرغة، وهي مشكلة إدارية حقيقية..
خلفية:
ويضيف الفاتح إن الخطوط الجوية السودانية مشكلتها أنها كانت لا تملك أسطول طائرات كما قال الأمريكان، حيث كان كل ما تملكه في بداية الثمانينات طائرتين فوكرز(707) و (737 ) وطائرة 707 آخر إنتاج بوينج، لكنها كانت تقوم بسفرية يومية للندن رغم انها لا تعد حديثة، وفي بداية التسعينات وبعد غزو العراق للكويت قامت بإجلاء السودانيين من ميناء العقبة في عمل غير مسبوق.
وقال الأمير الحسن وقتها لمفوض المغتربين اعترافاً منه بنجاح الطائرة السودانية في إجلاء السودانيين إنه على استعداد لمساعدة الخطوط الجوية لما قامت به من عمل ومنحونا طائرة إيرباص كإيجار ولكن حين اندلعت الحرب في 92 قاموا بسحب طائرتهم.
سودانير في 91 -92-93-94 استطاعت أن تستجلب أربع طائرات إيربص بشروط تمويل مبسطة فقط بمبلغ أربعة ملايين ونصف المليون دولار، وكانت الطائرات بقيمة 200 مليون دولار، كانت الطائرة الأولى من البنك الفرنسي الذي قيم العمل بعد ستة أشهر وأصدر نشرة صحفية أشارت إلى أن الخطوط الجوية السودانية رابحة، وتم منحها طائرة أخرى بنفس شروط التمويل غير أن تسعة بنوك أوربية قامت بعرض طائرة حديثة لسودانير وافقت عليها واستلمتها بنفس الشروط، ثم استلمت طائرة ثالثة في 94 ثم قام البنك الفرنسي بإحضار طائرة رابعة لسودانير فقط بأربعة ملايين دولار ونصف المليون نصفها بالعملة السودانية بنك النيلين الخرطوم ونصفها بالعملة الأجنبية بنك النيلين أبوظبي.
بداية النهاية
يقول الفاتح إن تدهور سودانير بدأ بعد محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995 حينما أصدر مجلس الأمن مشروع قراره رقم (10/70) بحظر الطيران في السودان، ورغم عدم صدور القرار إلا أن من آثاره أنه تم حجز طائرة التسعة بنوك الأوربية الإيربص في لندن، وتم سحب الأخرى والطائرة الأولى البنك استرجعها واستبدلها بأخرى قديمة.. فقد أثر القرار على سودانير تأثيراً سالباً، وأصبحت هنالك طائرة إيربص قديمة، وفرض علينا أن تصينها شركة لوفتهانزا، ولوفتهانزا سحبت طاقمها ثم صدرت العقوبات الاقتصادية الأمريكية من جانب واحد.
ثم كانت المشكلة أن الدولة كانت تواجه مشاكل جمة ولا رغبة لها في استمرار سودانير بعد الصعوبات التي واجهتها بعد قرار الحظر، ليضيف: أنا أتحدث إليك بصراحة شديدة، لأن الدولة قالت إنها ستبيعها ولو بدولار واحد.
حصار الناصر
ويواصل الفاتح حديثه: رغم تلك الظروف قدمت سودانير عبر الطائرة بوينج عملاً كبيراً تجارياً وعسكرياً، وقبل الإنقاذ طلب عبد الماجد حامد خليل تحويل إحدى طائرات الركاب إلى (كارقو) ونجح مهندسو سودانير في تحويلها في 24 ساعة، وتمكنت من توفير وقود الطائرات حينما كانت الناصر محاصرة، ولهذا أقول إن مشاكل سودانير هي مشاكل خارجية لا مشاكل من داخلها.
البيع لـ”عارف”
ويزيد الفاتح بقوله: قررت الحكومة بيعها على أساس انها عبء، رغم أن حكومة السودان لم تدفع لسودانير مبالغ طيلة سنواتها، فأبرمت وزارة المالية اتفاقية مع شركة أجنبية (آرثر أندرسون) لتسويق سودانير في السوق العالمي في بداية عام 2000م، ومن المستندات التي اطلعت عليها كانت هنالك لجنة فنية برئاسة مدير عام شيكان عثمان الهادي، ووزير الدولة بالمالية منوط بها خصخصة سودانير، اللجنة قدمت عروضاً، ولكن الدولة تدخلت في تلك العروض، لأننا احضرنا عرضاً خليجياً من صندوق أبوظبي للنقل، وتم تسليمه لمدير عام سودانير، فطلب منه إحضار شركة طيران وأوفدت مندوبها واستقبلته أنا بالمطار ليقدم عرضه لأندرسون، لكنه كما ذكر لي استقبله شخصان بالمطار وأخذاه من صالة المطار وأنا تاني (ما شفتو) هو سوداني نيابة عن مدير صندوق أبو ظبي للنقل وشريكه المركز الألماني كان اسمه دكتور التيجاني، هو موظف بالمالية أخذوا منه العرض، وتقدمت به شركة سودانية اسمها شركة الزوايا، وأدخلته ضمن عرضها ويديرها بعض النافذين في الإنقاذ، فقامت بتقديم عرض باسمها لسودانير، وكنت أنا مدير عام الطيران المدني، فاتصل بي شخص من القصر قال لي اخترناك لتكون ضمن اللجنة التي ستقيم الشركات المتقدمة، فقلت له أنا لا أصلح للجنة، وقمت بترشيح موظفين من سودانير، إلا أنه رفض أن تضم اللجنة أي شخص من سودانير، وقال لي سودانير يجب أن لا يكون لها علم بالموضوع، فرشحت له اثنين من الذين عملوا بسودانير واشتغلا بالخليج واتصلت بمدير سودانير قلت له يجب أن يكون بعض العاملين بسودانير ضمن اللجنة الفنية دون أن يكون لهم حق التصويت، ووضعنا لهم شرط الخبرة والمقدرة المالية فتم تطبيق الشرطين، فخرجت بالتالي شركة الزوايا من المنافسة لأن خبرتها كانت (زيرو)..
ظهور عارف:
ويواصل الفاتح حديثه: في نهاية الأمر، ظهرت شركة عارف على السطح واشترت النقل النهري ودخلت عن طريق العلاقات السياسية أيام حرب الخليج حينما أصبحت دولة الكويت من دول الضد وكان السودان يسعى لإعادة العلاقات معها وكان الغرض كما قال بعض الإنقاذيين لإعادة العلاقات مع الكويت والذين تحركوا نحو هذا الهدف هم الذين درسوا في أمريكا من الإنقاذيين وتزاملوا مع المدير التنفيذي لشركة عارف في ذلك الوقت، تلك العلاقة جعلتهم يدخلون شركة عارف للسودان وعارف بدأت بعلاقة في شركة دانفوديو، وكان العبيد فضل المولى مسؤولاً عنهم حتى أصبح الشريف هو المسؤول عن أعمال عارف في السودان، معنى ذلك أن العملية بعلم الدولة، بعد ذلك تم تعيين الشريف أحمد بدر عمر حسب أقواله إنه المسؤول عن أموال عارف في السودان، ودار نقاش في لجنة مصغرة في مجلس الوزراء قلنا لا يمكن أن تباع لعارف بنسبة 70% لأنها ستخرج من كونها الناقل القومي، لأن كل شركة مسجلة في شركات الطيران يسمى ناقلاً وطنياً والناقل القومي هو المعين من الدولة..
محاولات
وفي اللجنة الوزارية المصغرة طرحنا يجب ألا يكون نصيب السودان اقل من 50%، قالوا الدولة حددت أن يكون نصيبها لا يزيد عن 30% طرحنا نحن بالاستعانة برجال أعمال سودانيين حتى لو تملكهم عارف رأس المال يكونوا ذراعها في السودان، ففكروا في تسجيل شركة أجنبية في السودان مع أن ذلك لا يجعلها شركة وطنية، ولكنهم أحضروا فتوى من النائب العام أن أي شركة رأسمالها أجنبي ومسجلة تعتبر وطنية، وعندي ما يثبت من الاتحاد الأوربي أن أي شركة أجنبية رأسمالها خارج الدول الأوربية لا تعتبر وطنية، ولا تعتبر من الشركات القومية وسلمته شخصياً لمسؤولين أنا كنت عضواً في اللجنة الوزارية المصغرة لأني كنت خارج سودانير.
المجزرة:
ويستطرد الفاتح بقوله: (فقاموا بتأسيس شركة الفيحاء وأعطوها نسبة 21%، وكان رأسمالها أجنبياً، وأصبح مديرها العام العبيد فضل المولى ورئيس مجلس إدارتها الشريف أحمد عمر بدر (لمن قلنا لهم لم تستوف الشروط، قالوا عندنا فتوى من النائب العام).. ثم قاموا بفصل كل العاملين في سودانير وكان عددهم 1600 فاتصلنا كمجموعة من العاملين في الخطوط الجوية بكمال عبد اللطيف وزير الدولة بمجلس الوزراء وقتها واستفسرنا عن القرار واتصلنا بعثمان الهادي مسؤول الفئات بالمؤتمر الوطني، فقال لنا كمال عبد اللطيف إن الرئيس البشير طلب منا إدارة سودانير بـ150 شخصاً فقط قلنا له أنتم (تتكلموا كلام نظري) لا يمكن تطبيقه في أرض الواقع وفي شركة في حجم سودانير لها موظفون ومكاتب في انحاء السودان وفي الخليج وفي القاهرة وفي الخرطوم وفي أوربا وأنت محتاج إلى إدارة مالية وصرافين وعاملين شؤون أفراد وطيارين ومضيفين ومضيفات وعمال الشحن ومهندسي الصيانة .
استعانة بالخارج
ويضيف مكي: في اجتماع ثانٍ، قال لنا إنه أقنع الرئيس برفع العدد إلى 350 وكانوا مصرين عليه وحين وجدوا أنفسهم محتاجين إلى عمال نظافة وشحن اتفقوا مع شركة خارجية واستعانوا بـ750 من الخارج ويتقاضون مرتباتهم بزيادة النسبة من الشركة ودعمتهم الدولة بتمويل من بنك أمدرمان الوطني 100 مليون دولار، وأصبح كمال عبد اللطيف رئيس مجلس الإدارة ونصر الدين محمد أحمد أصبح المدير العام.
إقصاء الخبرات
يقول الفاتح مكي: الحديث إن المدير العام نصر الدين محمد أحمد الذي تم تعيينه لتطوير سودانير بغرض بيعها قد نجح في توفير 13 طائرة للشركة، هو حديث يحتاج إلى تصحيح، لأن نصر الدين وكمال عبد اللطيف استغنيا عن الغالبية العظمى من أصحاب الخبرات، والحقيقة الأخرى غير المعروفة أنهما فصلا كل الإسلاميين في سودانير حتى المجاهدين فصلوا في 2004 واستعان بأشخاص من خارج الطيران وأصبح مدير مكتب كمال عبد اللطيف مديراً لمكتب سوريا دون سابق خبرة، وهنالك شخص كان في أمن سودانير وكان رجلاً فاعلاً ونشطاً استعان به كمال عبد اللطيف في مجلس الوزراء فقام بتعيينه مديراً لمحطة القاهرة.
حقائق:
ويضيف مكي: حديث البعض أنهم قاموا بتوفير 13 طائرة أيضًا هو حديث غير دقيق ودعني أوضح لك لأني كنت شاهداً على الأحداث وقتها بعد أن تركت الطيران المدني وعودتي للعمل بسودانير، ونصر الدين حينما منح مبلغ ثمانية وسبعين مليون دولار من الرئيس البشير لتأهيل سودانير، كانت هنالك طائرة إيربص موجودة في تايوان، وكنا اتفقنا على أن يكون السعر 17 مليون دولار، والاتفاق موثق حينما جاء نصر الدين كمدير عام لسودانير، اشتروا نفس الطائرة إيربص بـ 24 مليون دولار وسددوا قيمة صيانتها ووضعوا عليها شعار سودانير وسجلوها في السجل المدني السوداني، وهي في تايوان وأرسلوا الطيارين لإحضارها من تايوان فقالوا لهم احضروا لنا موافقة من الإدارة الأمريكية فقاموا بنقلها إلى أوربا ولم يستطيعوا إحضارها إلى السودان إلا بعد الاتفاق مع إريتري وجعلوا المبايعة باسم الإريتري وأحضروها للسودان الطائرة، وبعد عدة شهور قبل أن تحضر للسودان ثم قاموا بتحويل ملكيتها من الإريتري إلى سودانير ودفعوا له عمولة (ملايين) لتحويل الملكية من سودانير إلى عارف، وهذه المعلومة موجودة في الاقوال التي اطلعت عليها..