دهاليز السلام !
تم في جوبا بتاريخ 11 سبتمبر توقيع “إعلان جوبا لإجراءات بناء الثقة والتمهيد للتفاوض”، وذلك بين حكومة السودان من جهةن والجبهة الثورية، حركة تحرير السودان/ المجلس الانتقالي، حركة العدل والمساواة السودانية، الحركة الشعبية لتحرير السودان، حركة/ جيش تحرير السودان، مؤتمر البجة المعارض، حركة تحرير كوش، الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة والحزب الاتحادي الديمقراطي/ الجبهة الثورية من الجهة الأخرى، ولا شك أنها خطوة تغذي روح التفاؤل وترفع درجة الأمل بسودانٍ آمنٍ مُعافى ولكن !
الذي يعتقد أن السلام الشامل في بلادنا يمكن أن يتحقق ببساطة وسهولة وبلا ثمنٍ باهظ فإنما هو يتوهم ليس إلا! لذلك يجب أن يكون التشخيص دقيقاً للعلل حتى يكون العلاج ناجعاً، وحتى لا تكون البداية من الصفر المعتاد فإنه يلزم الرجوع بتواضع وتجرد للتجارب السابقة في أبوجا وأنجمينا والدوحة بالذات، الرئيس السابق المشير البشير وحكومته بذلوا جهوداً جبارة وجادة وحقيقية لتحقيق السلام، نجحوا هنا وأخفقوا هناك، وهكذا التجارب الإنسانية نتعلم منها، نُعظّم من إيجابياتها بلا حرج ونتفادى ما وقعت فيه من أخطاء .
هل التي وقعت هي كل الحركات الحاملة السلاح؟ وأين هي الحركات الموقعة أصلاً على السلام مع الحكومة السابقة؟ ثم كيف تم تحديد حركات بعينها للتفاوض مع حكومة السودان إنابة عن غيرها؟ من الذي اختار الجبهة الثورية وحركة الحلو وحركة عبد الواحد لتتفاوض مع الحكومة إنابة عن بقية العقد المذكور؟ من الذي يملك حق اختيار هذا وإقصاء ذاك؟ أليست هي ذات الوصاية التي قعدت بمسيرتنا ونحن نبحث عن سلام شامل مستدام؟ الذي عاش التجربة يُدرك أن “الكلفتة والدغمسة” في هذا الأمر أضرارها مميتة !
الحديث عن فتح الوثيقة الدستورية “تعديل المادة 70” لضمان مشاركة الحركات المسلحة في كافة مستويات السلطة الانتقالية وعن تأجيل تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي وتأجيل تعيين ولاة للولايات في انتظار إتفاق السلام النهائي، قد يكون أمراً إيجابياً محموداً إذ أن أي ثمنٍ يهون في سبيل السلام الحقيقي الشامل، لكن هذه الإجراءات من الوجه الآخر تُربك المشهد الانتقالي بأكمله، خاصة وأن التجارب السابقة تؤكد صعوبة بل استحالة الالتزام بأي مصفوفة وتوقيتات طالما أن المناصب المتاحة والمعروضة محددة ومحدودة .
الحركات المسلحة لديها قدرة خارقة على التناسل و”الجرجرة” وشراء الوقت والتخفي وراء المصطلحات! والوسطاء الأفارقة يبدو أحياناً كأنهم يستمتعون بتلك “الجرجرة” ولا يضيقون بها! ولدينا حزمة خبراء “أهل فنيّات” خبروا هذه الدهاليز ونتوءاتها، ويعلمون جيداً مخارجها ومداخلها، ومن شأن استعانة الحكومة بهم أن تختصر عليها طريقاً طويلاً شائكاً وتُوفر عليها جهداً وتُعينها بحق في الوصول لسلام مستدام طالما توفرت لديها الإرادة السياسية .
خارج الإطار: القارئ عادل عبد الرحمن مصطفى بعث برسالة مطوّلة يشير فيها الى عِظَم التحديات والتعقيدات التي تُحيط بالمرحلة المقبلة، وأن د.حمدوك وحكومته تنتظرهم مهام جِسام لا تحتمل التلكؤ والتأخير، وعليهم ألا ينشغلوا بالشكليات مثل تغيير اسم مؤسسة أو تغيير شعار تلفزيون بل يُركزوا على القضايا الجوهرية .
الرقم 0912392489 مخصص لاستقبال رسائلكم