المُقاطعة.. نجاح الحَملة
إيمان مبارك
ضِمن مُحاولات كَبح جَماح الغَلاء وارتفاع الأسعار بشكلٍ مَلحوظٍ، أطلق نشطاء بمواقع التواصل الاجتماعي، حَملة لمُقاطعة اللحوم وسلع ومُنتجات أخرى بسبب ارتفاع أسعارها، رافعين شعار: (الغالي مَتروكٌ).
وتُعتبر ثقافة مُقاطعة السلع الغالية هي ثقافة الأمم والشعوب التي لم تُرضِ أن يبتزها أحدٌ في حاجاتها الأساسية أو يحرمها من قُوتها اليومي، فكانت المُقاطعة أمضى سلاح يتم استخدامه كَتعبيرٍ مَعنوي عن الاحتجاج .
وقَد بَدَأت حَملة مُقاطعة اللحوم ومُنتجات الدواجن منذ الخامس من سبتمبر وتستمر حتى منتصف الشهر الجاري، كَردِّ فعلٍ طبيعي للزيادات التي وصلت لمُستويات قياسية، ويرى المُستهلكون أنّها غَير مَنطقية ولا يُوجد ما يُبرِّرها، حيث قارب كيلو الضأن لـ500 جنيه و400 جنيه للعجالي، فيما تجاوز كيلو الدواجن 190 جنيهاً وطبق البيض 180 جنيهاً.. المركز السوداني للخدمات الصحفية قام بجولة للوقوف على حملات المقاطعة وأثرها…
أعلن د. ياسر ميرغني رئيس جمعية حماية المستهلك، أنّ مُبادرة مقاطعة اللحوم والمُنتجات الحيوانية نجحت بنسبة عالية في الأسواق، حيث أنّ الوارد من اللحوم للأسواق كان ضعيفاً لا يتعدّى 20% وكذلك المنتجات الحيوانية التي انخفض فيها طبق البيض من 130 إلى 80 جنيهاً، وأقرّ ميرغني أنّ استمرار الحملة ضرورة ملحة لكبح جماح ارتفاع أسعار اللحوم .
ويقول حسام الدين عبد الله ناشط اجتماعي، إنّ المُبادرة من أهم أهدافها مُحاربة استغلال المُواطن، مُوضِّحاً أنّ التُّجّار عَمدُوا إلى استغلال حوجة الناس برفع الأسعار دُون مُبرِّرٍ، مُضيفاً أنّ المُواطن هُــــــــــو المُتضرِّر الوحيد من ارتفاع الأسعار، وأكّد أنّ أصحاب الجزارات والمحلات لا يتأثّرون كثيراً بتصاعُد الأسعار المُستمر لأنهم يضطرون إلى زيادة أسعارهم بسبب الزيادات التي يفرضها التُّجّار، ودعا عبد الله لاستمرار الحملات ومُحاربة كل من يتسبّب في رفع الأسعار، قائلاً إنّ الحرب مع الجشعين والوسطاء لن تتوقّف بمُقاطعة واحدة، وإن المطلوب من المواطنين أن لا يرضخوا للاستغلال ومُزايدة التُّجّار.
فيما احتج التاجر بابكر محمدين، قائلاً إن سياسات التحرير الاقتصادي هي السبب الرئيسي في عدم وجود سعرٍ مُوحّدٍ وثابتٍ للسلع، وهو ما يجعل السوق كل يوم بسعرٍ جديدٍ مِمّا نَتَجَ عنه أن يكون لِكلِّ تاجرٍ سعر يتناسب مع مبدأ الربح والخسارة لديه، إِضَافَةً إلى تحسُّبات الزيادات الواردة في المُستقبل نتيجةً لارتفاع العُملات الصّعبة، هذا الأمر بالتأكيد أدّى إلى انفلاتٍ في السُّوق وعدم وُضُوح الرؤية لما يُمكن أن يكون عليه الحال، وطالب محمدين بوضع أسعارٍ ثابتةٍ والسيطرة على العملات الصعبة التي تتحكّم في الأسواق أولاً قبل إعلان المُقاطعة وتحميل التُّجّار المسؤولية .
وأوضح الصادق فتح الرحمن صاحب ملحمة أنهم في بداية الأمر لم يهتموا لحملات المُقاطعة، خَاصّةً وأن الاستجابة للمُقاطعة في الأيام الأولى كانت ضعيفة، لهذا لم نتخوّف من مسألة كساد اللحوم وعدم بيعها، ولكن منذ اليوم الثالث أصبحت أخشى من تلفها ولا أدري ماذا أصنع إذا لم أستطع أن أبيع ما تبقى لديّ، وقال: أفكِّر جاداً في التخلُّص مِمّا تبقى وبأيِّ سعرٍ كان “المال تلتو ولا كتلتو”.
ويذهب المواطن فضل محمد خير بأنّ جشع التجار ليست له حدود، وقد لاحظت في اليومين السابقين نقص كمية العرض للحوم في الجزارات، وبسؤالي لبعض الجزّارين قالوا إنهم يتخوّفون من المُقاطعة، وأكد انخفاض بعض الأسعار، حيث تراجع سعر كيلو العجالي بسوق أم درمان إلى 240 بدلاً من 320 جنيهاً، بينما انخفض الضأن الى 400 جنيه بدلاً من 500 جنيه، وطبق البيض من 160 إلى 120 جنيهاً، بينما تجاوز رطل اللبن 20 جنيهاً، وقال محمد خير إنّ انخفاض الأسعار يدل على نجاح الحملة، وإنهم لن يتوقّفوا عن المُقاطعة إلى أن تنخفض الأسعار إلى وضعها الطبيعي، ويقول: نحن دولة لها نصيبٌ وافرٌ من الثروة الحيوانية وأراض خصبة للزراعة، كيف تكون الأسعار فيها بهذا المُعَدّل المُرتفع…؟
لقد وجدت مُبادرة حملة مقاطعة اللحوم والتي تحمل شعار: (أشبَع بيها) و(خلِّيها تَعفِّن) و(سُودانيون ضد الغلاء والجَشع)، التي أطلقته مجموعة من الناشطين استجابةً واسعةً، حيث بدأت أسعار اللحوم تنخفض في عددٍ من أحياء الخرطوم، وحَقَقّت نتائج جيدة، لكنها لن تَستمر لفترةٍ طويلةٍ كَمَا تَوقّعَ عددٌ من خُبراء الاقتصاد.. ففي ظل غياب الدور الرقابي للدولة واستمرار سياسة تحرير السُّوق ستظل الأسعار في تأرجُحٍ مُستمرٍ، فكانت المطالبة بعودة الجمعيات التّعاونية لتجنُّب أيِّ تدخُّل بين المُنتج والمُستهلك مع ضبط ومُراقبة الاستهلاك، وعَدَم التّلاعُب في الجودة والأوزان .