وقتها انهزم المريخ بنتيجةٍ ثقيلةٍ من أحد الفرق السعودية.. وكُنت غَارقاً في الأسى، رافضاً العشاء حتى أتاني هاتف صديقي أسامة المُغترب في جدة والمنكوب مثلي، وكعادته المُحَبّبة في المُباشرة و(الدغري)، دَخَلَ مُباشرةً في الموضوع: (ياخي الزول الشين دا الناس ما مُمكن تختاره إلا إذا كان يمتلك صفات استثنائية مُبدعة وخارقة.. معقولة ياخ نتغلّب وبي ناس شينين زي ديل.. إذا كان الغلب لا بُد ملازمنا.. طيِّب ليه ما نتغلّب بي ناس سمحين)..؟!
سمحت لي سخريته اللاذعة بالابتسام وتناوُل العشاء وتتبع مُتلازمتنا في اختيار الناس، ووجدتني مُضطراً لترديد ما قاله الصديق أسامة (إن لم يكن ثمة فروقات بائنة ومُبهرة فلماذا لا نختارهم سمحين).. رب الناس لم يرسل نبياً على غير حسن، بل اختارهم مثل ملائكته، على أحسن هيئة وفي أفضل ظُهُور.
(فلما رأينه أكبرنه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وقلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلا ملكٌ كريم).
بينما صورة الشيطان في المُقابل يشملها القبح والله جميل يحب الجمال..
هل تذكرون هيثم.. ذلك الولد الذي فقده أهله وطفقوا يبحثون عنه مع (العزابة) جيرانهم الجدد، فلما وجدوه صرخ جارهم العزابي الجديد مُتعجِّباً: (هو دا هيثم.. والله وأنا بفتش لقيتو أربع مرات).
الأم وحتى تعيدهم أصحاء – قادرين على السماحة – لا ترى أبناءها إلا أنّهم جميلون ولذلك قالوا:
(الولد في عين أمو غزال).
على أنّ الناس يستطيعوا أن يتجاوزوا المظهر الخارجي إن كان ثمة ما يُغطِّي في باقي التمظهرات والتّفاعُلات.. أما أن يكون (لا خلقة لا أخلاق) وقبيح الوجه واليد واللسان فذلك من الابتلاءات التي لا يستطيعها صبراً إلا ملك منزل أو نبي مرسل.
ذكر كارل روزنكرانتز في تعريفه للقبح في كتابه Aesthetics of ugliness، مُحَدِّدَاً الخصائص الجوهرية للجمال، المُتمثلة في: الانسجام، التناسُب، والكمال Integrity، ليُبيِّن بمفهوم المُخالفة أنّ القبيح هو ما افتقد هذه الصفات، ليعرفه من ثمة بكونه: “غياب الشكل، غياب التماثل، اللا انسجام، التشوُّه، المسخ (الشقي، المنحط، التّافه، التصادُفي والاعتباطي، الفج)، مُختلف الأشكال المُثيرة للاشمئزاز (الموت، الفراغ، الشيطاني..)”
فالقبح يتبدّى على نحوٍ شكلي وموضوعي.. ولا تنفك العلاقة الموضوعية قائمة بين الشكل والموضوع لذا يُقال: (الجواب يبان من عنوانو).
فلأنّنا نكره الشيطان كانت صُورته القبيحة والقُرون، حتى إذا مَا أراد البعض التقرُّب منه تَجَسّدوه شَكلاً ومخبراً.
إنّ المُجتمعات هي من تضع مشروعها الجمالي الخير وبمُقابله المضاد القبيح وجملة الشرور.
لم أر أحداً يغني لمسخ أو يُغازل قبيحاً سوى د. محمد يوسف مصطفى وهو يُقرِّر أنّ (ناسُه شينين وأنّهم من سيحكموننا وبشناتهم تلك)!!
والتّجمُّل عادة بشرية قديمة، ينجزونها في سَعيهم نحو الكمال، في عباداتهم وعلاقاتهم، في صَلاتهم وابتهالاتهم لُغةً ومظهراً فيستقبحون ما تناكروا له من قَولٍ وفِعلٍ وحُضُورٍ.. يسدِّدوا ويُقاربوا:
(وما خضب الناس البياض لأنه قبيحٌ ولكن أحسن الشعر فاحمه).
ثُمّ إنّهم يجأرون منه بالشكوى:
(أَرى لك وَجْهاً قَبَّح اللهُ شَخْصَه فَقُبِّحَ من وَجْهٍ, وقُبِّحَ حاملُهْ)
عندما بدأ ذلك الحزب في اختيار ناس (شينين) وجهاً ولساناً ويَداً لقيادته قال لي صديقي “عادل شريعة”: (ديل الدرب راح ليهم).
وبالفعل مضى القبح إلى القبح في قافلة، وتهاوى الرجز وبدا كل شيء قبيحاً ومُؤذياً بعدها، ولم يعد لظلام الليل البهيم من مَعنى سوى أنّه إرهاص, لأنّ الحزب وقد تألق حيناً ثم ما لبث أن رنّق ثم مات.
حينما يستبشع القرآن الكريم أمراً للناس فإنه يستمثله بالقبيح:
(كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ)
(وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ)
ومن يُريد رفيقاً أو تواصل قبيح!؟..
جمّل الله أيّامكم نضرةً وسروراً ولنتواصى مع أهلنا: (البتصابحو ما تقابحو).
والحلوين بحنوا..!