عقب تشكيل المجلس السيادي ومجلس وزراء الحكومة الانتقالية طغى طقس السلام وضرورات البحث عنه بشتى السبل وكل الأمكنة ولدى مخاطبته منتدى السلام السوداني بجوبا، أكد عضو المجلس السيادي وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو أن السلام خيار إستراتيجي لحكومة الفترة الانتقالية، وهو حديث من رجل عرف عند الآخرين بصدقه تجاه إنجاز ملف السلام، وقد تطابق حديث حمدان مع ما قاله وزير الثقافة والإعلام الأستاذ فيصل محمد صالح لدى مخاطبته العاملين بوزارة الإعلام، حيث شدد على أن يكون السلام أولوية في صناعة الأجندة الإعلامية، ولا مجال لدق طبول الحرب في الإعلام السوداني، مشيرًا إلى أنه الخط الأحمر الوحيد في موجهات الإعلام للمرحلة الانتقالية في إطار الحفاظ على الأمن القومي للبلاد وضبط العقلية المطلوبة لمن يصممون الرسائل الإعلامية ويخططون لتنفيذها.
وفي تقديري أن فيصل محمد صالح قد بدأ مرحلته بصورة موضوعية ومهنية صحيحة، وهو عين ما عرف عن الرجل منذ أن كان يسدي المشورة للآخرين كمثقف فيقبل بها البعض وينقضها البعض الآخر، ولم يستمع فيصل للأصوات الاحتجاجية الفردية وجماعات الضغوط وهو يقدم على مهمته الجديدة، واضح أنه يستند على رؤية واضحة لتحديد أولويات ومهام مرحلته، وهو يطرح نفسه كوزير حر لا ينتمي لمؤسسة حزبية يلتزم بإمرتها، وهو يقدم رؤيته في إدارة ملف الإعلام إلى الجميع وإلى السلطة حتى لو اختلف مع الآراء السائدة التي تواضع عليها الناس أو التي كانت متوقعة، وبهذا فإن فيصل يستحق أن توفر له فرص النجاح بسخاء سيما أن حديثه لم يشر إلى أي قيود أو انصياع فكري وسياسي من قبله يتهدد الناس، وهذه مبشرات ومكافآت كبيرة من وزير مثقف وواعٍ للفواصل السياسية والمهنية تتفق مع كثير من القيم والمبادئ المطروحة في هذه المرحلة في مقدمتها شعار: (حرية سلام وعدالة)، الذي وجه فيصل بأن يتنزل كمفردات خطاب إعلامي فلا غرو فإنني سبق أن قلت إن فيصل ليس من الهواة المتواضعين في سوق الإعلام وإنما كفاءة وممارس علمياً وعملياً وهذه التزامات تحفزه على تجاوز النطاق الضيق إلى الرحاب الأوسع وهو يبذل وعيًا بطبيعة الحال والجهد اللازم لتحقيق شعارات المرحلة وإنزالها واقعاً واكتساب جمهور جديد من اصحاب الأفكار والآراء المغايرة له، وليس عجباً أن يبدأ فيصل بتطبيق عملي لحديث حميدتي حول السلام خياراً إستراتيجياً لأن الإعلامي بطبعه لن تغلبه الحيلة في توظيف أدواته المتاحة لتحقيق الإيحاءات السياسية والتنوع في طرائق توضيح جدواها وأن شفافية حميدتي ووضوحه وهو يتناول أسباب وجذور الحرب بغرض وضع الحلول الجذرية لها عنصر مشجع للإعلام كي يتناولها فضلاً عن أن قضية الحرب والسلام صارت هماً يؤرق كل السودانيين وخصماً عنيداً لكل أدوات وخطوات النهوض والتنمية في شتى مجالاتها بالبلاد، وعلى مر عصور الحكم الوطني.
إن تفاؤل الكثيرين بنجاح حميدتي في إنجاز ملف السلام مبرر لما عُرف عن الرجل من حقائق مجتمعية وثقافة قومية وإيمان لا يتزحزح بضرورة تحقيق الأمن والاستقرار، ويحمد لحميدتي تدخلاته الفعالة في هذا المجال حرباً وسلماً، وهو مؤمن بمفهوم العدل والإنصاف والسماح للكل بتقديم أفكارهم وثقافاتهم واحترام التنوع فالسلام يعتمد بشكل أساسي على قوة عسكرية تحفظه وبالتالي فإن المنظومة العسكرية وعلى رأسها الدعم السريع هي الضامن لتحقيق السلام والاستقرار والأدلة كثيرة لإثبات أن الدعم السريع وقواته تحظى بثقة الحركات المسلحة قبل الحكومة في قدرتها على بسط الاستقرار والسلام خلال المرحلة الانتقالية وتمتلك إمكانية تحقيق السلام وفرض خياراته على الجميع لإنهاء حالات الصراعات والتجاذبات القديمة ووضع حد لكل الممارسات والإقصاء الممنهج الذي كان متبعاً في الماضي، وإعادة بناء مؤسسات الدولة وفق العدالة والقانون، كما كان يردد حميدتي في كل مخاطباته بضرورة تحكيم وتوطين القانون في مفاصل سلطة الدولة السودانية الحديثة.