حكومة حمدوك برؤية أمريكية… وزارة ذات طابع مدني ووجوه إصلاحية

صحيفة أمريكية: أهم أولويات الفترة الانتقالية إيقاف الحرب وبناء السلام 

“ميامي هيرالد”: شعب السودان قام بعمل رائع وشجاع للمطالبة بالإصلاح

الصحيفة تطالب بمشاركة دولية مع السودان للتخفيف من مخاطر الانتقالية

ترجمة: إنصاف العوض
قالت صحيفة “ميامى هيرالد” الإمريكية، إن تكوين الحكومة الانتقالية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك فرصة حقيقية أمام السودان لإعادة ترتيب علاقاته الخارجية وإنهاء ازدواجية البشير في التعاطي مع الخارج بإيواء القاعدة والتحالف مع المتطرفين من جهة، ومحاولة الانفتاح على الغرب من جهة أخرى.

وقطعت الصحيفة بإيفاء واشنطن بالتزاماتها تجاه  رفع السودان عن لائحة الداعمين للإرهاب الموجود عليها منذ 1993، وأرجعت الصحيفة السبب إلى الطابع المدني لحكومة حمدوك  ذات الوجوه الإصلاحية، وقالت الصحيفة إنه في السنوات الأخيرة تم رفع تدريجي للعقوبات الأميركية على البلاد من خلال افتتاح مكتب استخباراتي لوكالة الاستخبارات المركزية مشترطاً  استمرار الخطوات الإصلاحية والحوار الاستراتيجي بين الجانبين لرفع كافة العقوبات. 

وأضافت الصحيفة أن واشنطن تدرك  أن موازين القوى والتحديات التي ستواجهها الحكومة الجديدة الأمر الذي دفعها للمطالبة  بتغيير نهج السودان داخلياً ودولياً بدءاً بقطع العلاقة مع كوريا الشمالية، والابتعاد عن إيران وداخليا بفض النزاعات والمصالحة والحوار.

الاتجاة المعاكس

وأبانت أنه بالرغم من وقوع السودان في منطقة يشوبها التفتت والتسلط والحروب، اختارت البلاد التمايز والقفز بالاتجاه المعاكس نحو مسار مدني وتعددي وتقدمي سيؤسس في حال نجاحه إلى مستقبل يليق بأصوات الشارع السوداني ويدفن حقبة البشير إلى غير رجعة.

وداخليًا، لا يمكن استعادة الثقة من دون صون الحريات وحماية الانفتاح السياسي والتهيئة لحكم مدني وتنمية الأحزاب المدنية غير المرتهنة لفئات عسكرية أو إسلامية في البلاد. هذا المسار سيتطلب عقوداً من العمل وحكومة حمدوك هي مؤشر إيجابي في هذا السياق، وجاءت بعد ضغوط من الشارع السوداني ومن المجتمع الدولي.

وخارجياً سيكون على حمدوك إقناع البنك الدولي ومؤسسات أخرى بدعم السودان اقتصادياً، بعد القيام بإصلاحات جذرية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن سعت لإطفاء الشرعية على التغيير السياسي في السودان من خلال دعم الاتفاقيات الموقعة بين المجلس العسكري وإعلان قوى الحرية والتغيير توطئة لانطلاق الحكومة الانتقالية التي تستمر 39 شهرًا وصولاً إلى دستور جديد ونظام مدني.

تماهٍ إقليمي

 وأشارت الصحيفة إلى أهمية تماهي الحكومة الجديدة مع القوى الإقليمية الفاعلة والمتمثلة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بوصفهما لاعبين إقليميين قويين يشكلان حضوراً قوياً في تشكيل المشهد الجيوسياسي بالعالم العربي. وأضافت أنه بالرغم من تخلص السودانيين من الحكم الدكتاتوري إلا أنه لا زال يبحث عن مسارات لاستقرار جدية يستصحب كافة القوى الدولية والإقليمية المؤثرة بما فى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية .
ورأت الصحيفة أن  حل المجلس السيادي المكون من خمسة عسكريين وستة مدنيين محل المجلس العسكري في انتظار تكوين البرلمان سيطرح العديد من الأسئلة  مثل من يسيطر على الجيش والمخابرات؟ وما السلام الدائم الذي يمكن بناؤه في المناطق الثلاث: دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان؟

وأشارت إلى  أن الجيش السوداني يجد نفسه مضطراً، لأول مرة منذ عقود، إلى تقاسم السلطة مع المدنيين الذين يهيمنون على المجلس السيادي الذي أنشئ فى 21 أغسطس في مرحلة انتقالية يجب أن تنتهي بعد 39 شهرًا بإصدار دستور ديمقراطي
ومع ذلك لا زال يحتفظ بالوزارات الرئيسية (الدفاع والداخلية وقالت إن   السودان ظل منذ العام 1989 تحت وطأة جماعة إسلامية وصلت إلى السلطة في انقلاب عسكري مزّق السودان لأسباب ثقافية عميقة، حيث سعت الحكومة بقيادة عمر البشير للترويج لبرنامج أصولي ثوري عالمي يهدف إلى إنهاء الصراع بين الشمال والجنوب.

فشل استراتيجي
وقالت إن الفشل المرير لهذه الإستراتيجية أجبر البشير على قبول انفصال الجنوب البالغة مساحته 600 ألف كيلومتر مربع في عام 2011، ليصبح جنوب السودان الدولة العضو رقم 193 في الأمم المتحدة. وأشارت إلى أن نظام البشير ارتكب خطأ إهمال القطاع الزراعي الذي ذهب هباء، وفي الوقت نفسه حاول فرض رؤية مغايرة للإسلام الذي يمارسه الشعب بطريقة متسامحة، كما أدى خطأ آخر إلى اندلاع حرب في إقليم دارفور.
وعليه لم يعد لدى النظام ما يقدمه في عام 2019 سوى مشهد إخفاقاته المتكررة والفساد المتزايد، مما أدى مع تفاقم الأزمة الاقتصادية إلى كسر ظهر النظام، وتسبب في المواجهة بين العسكريين والسكان، بعد احتجاجات  2013 التي قمعت، وأعادت تنظيم نفسها من جديد لتظهر في لباس تحالف الحرية والتغيير.

وفي مقابل هذه الحركة، مارس المجلس العسكري الانتقالي السلطة بعد الإطاحة بالبشير يوم 11 أبريل الماضي، مما أحدث غموضاً بشأن هوية ما حدث  هل هو انقلاب عسكري أم ثورة ديمقراطية؟ خاصة أن المجلس تولى السلطة دون أي تفويض ناتج عن العملية الهائلة للاحتجاجات الشعبية التي بدأت مع مظاهرات 19 ديسمبر.

إرث ثوري
وعلى عكس الثورات السابقة في 1964 و1985، بدأت هذه الحركة اعتصامها أمام مقر القيادة العامة للجيش واكتسبت بسرعة بعداً وطنياً، صاحبته شعارات السلمية واللاعنف والحرية والثورة والنقمة على المفسدين إضافة إلى شعار السلطة للمدنيين كما أن إحدى المفارقات في الحراك الثوري الكبير في أوائل عام 2019 تكمن في المحافظة العميقة على إرث الثورات السابقة، حيث بدا الحماس الثوري جلياً من خلال إعلام ذلك الوقت وأغانيه التي تصدح بها الملايين.
وفي الخارج، لم يفهم سوى القليل من المراقبين هذه الثورة التي تحن إلى الماضي، حتى إن أوجه التشابه بينها وبين “الربيع العربي” بدت ضعيفة، إذ أظهرت النوع نفسه من العداء للدكتاتورية والتطلع إلى الديمقراطية، ولكنها لم تكن واهمة بشأن الإسلام السياسي الذي يمكن أن يؤدي ذكره إلى عنف كامن بين المتظاهرين.
وقالت الصحيفة إن دور الاتحاد الأفريقي كوسيط وميسّر للمحادثات بين المجلس اللانتقالى وقوى الحرية والتغيير  خلال الأشهر الماضية يستحق الثناء. إلا أن من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن هذا النوع من الدبلوماسية لا ينتهي عند الاتفاق، إذ أن التواصل الدبلوماسي المستمر مع السلطات السودانية ضروري للحفاظ على الاستقرار في البلاد. إذ يلعب الاتحاد الأفريقي وبقية العالم  دوراً هاماً خاصة وأن هناك مخاوف من حتمال خروج الأشياء عن السيطرة خلال الفترة الانتقالية؛ اذ يمكن أن تنحدر البلاد بسهولة إلى مزيد من الفوضى. 

ثمن التغيير

وعليه تبقى المشاركة الدولية مع السودان أمراً حيوياً للتخفيف من هذه المخاطر كما يجب أن يكون أعضاء الجامعة العربية جزءاً من العملية الدبلوماسية كونها تربط جميع دولها مصالح في السودان وتدفعها لأن تكون جزءًا من عملية السلام للحفاظ على الاستقرار في البلاد.
وأضافت  الصحيفة أن شعب السودان قام بعمل رائع وشجاع للمطالبة بالإصلاح. وعلى المجتمع الدولي تقديم  الدعم الحقيقي من أجل البناء والحفاظ على سودان ديمقراطي جديد، إلا أن هناك الكثير من العمل ينتظر هذه الأمة وستكون الفترة الانتقالية شاقة إذ أن بناء أمة بعد عقود من سوء الإدارة من قبل نخبة فاسدة ومهينة ليست مهمة بسيطة سيواجه بناء مجتمع ديمقراطي في البلاد يتميز بمؤسسات قوية، وقواعد حرية التعبير، والحق في التصويت، والسياسة المفتوحة والمشاركة، عدد لا يحصى من التحديات السياسية الداخلية وأحيانًا الخارجية مما يجعل عملية البناء طويلة وعالية التكلفة.
ورغم الشروخ التاريخية والجهوية والاجتماعية وصعوبة بناء الثقة بين العسكر والمدنيين، وبالرغم من تدخلات خارجية تخريبية، فقد تمكنت أطراف الحوار السوداني من الإقلاع بالعملية الانتقالية لمدة 39 شهراً، ويعد هذا إنجازاً بحد ذاته وسابقة في تاريخ البلاد، غير أن ضخامة التحديات المطروحة أمام الفريق الانتقالي تمهيداً للوصول إلى حكم مدني تستدعي الحذر والمتابعة الحثيثة لتفادي العقبات المنتظرة وحماية الواقعية وروح التسوية التي ميزت انتفاضة الشعب السوداني.

 تعميق الثقة

وعند الإعلان عن حكومته في الخامس من سبتمبر قال رئيسها عبد الله حمدوك: “نبدأ اليوم مرحلة جديدة من تاريخنا، مؤكداً أن أهم أولويات الفترة الانتقالية إيقاف الحرب وبناء السلام”. ومع هذه الخطوة يتم استكمال مؤسسات الحكم الانتقالي، وذلك بعد تشكيل مجلس سيادي إثر توقيع اتفاق تاريخي بين المجلس العسكري الانتقالي، وقادة الاحتجاجات في أغسطس. ومما لا شك فيه أنه إلى جانب بناء السلام والحفاظ على وحدة البلاد يمثل النهوض باقتصاد السودان أحد أبرز تحديات الحكومة الجديدة.

بيد أن الأهم يبقى في حسن سير المؤسسات المؤقتة واحترام المواعيد المتفق عليها وتوطيد الثقة بين قيادة الجيش وقوى الحرية والتغيير الممثلة للحراك الشعبي. ومنذ أبريل الماضي تراوحت علاقات الطرفين بين التشكيك والإصرار على عدم الفشل، ولم يكن من السهولة إيجاد المخارج المشتركة حيث لعبت إثيوبيا والاتحاد الأفريقي دورًا كبيراً في تقريب وجهات النظر وحظي ذلك بغطاء أميركي وأوروبي ومباركة من الدول العربية المعنية.

Related Articles

Back to top button