جَمَـراتٌ تَتهـاوى شَـرَراً والبَـرْدُ بـاقِ
أتيح لهذه الحكومة فرصة مستحيلة للحصول على أضخم قاعدة شعبية عرفتها السياسة السودنية، العلمانيون والإسلاميون لا يتفقون أبداً، لكنهم اتفقوا على (حمدوك).. العساكر معاهم، الحلف القطري يغازلهم، أمريكا تقول إنهم أولادها الشرعييون.. المصرييون (ما دايرنها معاهم)، الخليج راضٍ كل الرضى ودراهمه أبت إلا أن تمد أعناقها..
(الما في شنو!!)..
البدايات دوماً عصية… لكن العساكر يقولون (الضربة الأولى نصف المعركة).. وناس التنمية البشرية قرروا أن الانطباع الأول فرصة لا تعوض، بينما يقدر السودانيون أن الخريف من رشتو والعريس من بشتو)..
بشتنة الأيام الفائتة تفت من عضد التفاف الناس حول حكومتهم و(احترام حكومتهم).. و(البشتنة) حالة بشرية تكتنفنا عند الانتقالات و(الرحول) إلى امكنة جديدة وما يحتاجه الأمر من جهد مضاعف لتسوية القديم وترتيب الحياة الجديدة والسير..
فليصمتوا قليلاً وليفرغوا إلى إنجاز خطة لـ(الحلول والاتحاد) أو(الرحول) بدلاً من التصريح هنا وهناك و(مبارات الجداد)!!.. ليس من المعقول وفي يومين فقط يجتاح وزراء حكومتنا -(لهم التجلة والاحترام)- كل (حمارات التماس).. دون داعٍ ولا ضرورة إثارة لحفيظة الكثير من أهلهم والنهش في مرتكزاتهم الراسخة وقيمهم التي استحفظوها في سويداء القلوب وذكرياتهم والأمل…
صدقوني قصة أنك تكون حاكماً هذه مسألة أخرى تمامًا.. تختلف بالكلية عن زمان (الفاقة وشوية الروقة).. قبل أداء القسم أنت مخير في اعتقادك وتلك الغرانيق.. والتعبير بتلك الطلاقة والحرية عن انزعاجك لوجود المذاهب الأربعة والإفصاح عن حبك لـ (غوكو) أو (بيجتا) ومساندتك للأرباب أو الكاردينال .. رأيك لا يهم في مسألة (الطرحة ولا امفكو) فتلك ليست مسئولية الحكومات ولا ينبغي أن تتسرب إلى ألسنتهم عند التصريح والإعلام في دولة مدنية ومجتمع ديمقراطي..
(ﻏﻠﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﺏ ﻏﻴﺮﻭ ﺗﻐﻠﻴﻘﺎً….
ﻭﻃﻠﻖ ﻣﺎ
ﻳﺸﺎﻏﻠﻚ ﻋﻨﻪ ﺗﻄﻠﻴﻘﺎً)
لأنك لا تستطيع أن تركب سرجين في ذات المرة الواحدة.. (دي نقرة ودي نقرة)..
وعلى اتجاه قريب، فإن حالة البشتنة الحكومية الماثلة يؤجهها انصار الحكومة.. عن تعمد قسري ظاهر وغريب.. فهم من شاكلة:
(أعلنت حزبي
ثم عن الحزب أعلنت انشقاقي)، ولأن في شرايينهم كان يدمدم رفضهم المستمر لكل شيء منذ قطار استقلال السودان وحتى فتح المدارس..
ولعمري ستبحث فلا تجد أشد عداوة لنجاح حمدوك من (الحمدوكيين) أنفسهم.. وإلا كيف تسنى لهم أن يغلقوا عليه أول نجاح يحققه لثورتهم بفتح المدارس إيذانا بعودة الحياة.. ولو قال بتأجيل فتح المدارس زمرة من الفلول لكان الأمر معقولاً ومنطقياً.. فالتأجيل لا يعني سوى (التجميد.. التجميد)..
والتجميد خسارة وفشل لا يتمناها إلا إفخاذ من الفلول!!.
اختار (الثورجية) في انفعالهم الثوري التعبير عن حالة الرفض الكامنة دون أن يبعثوا إلى مجتهد البناء والإعمار ذواتهم الشحيحة، ليسعدهم الهتاف العدمي بينما البئر معطلة والجنون حاضر على هيئة لوثة من المعلمين الأسباط !!.
لن تنتهي أزمتهم (الدساسة) بفتح أو إغلاق المدارس… فلقد تعودوا ألا يفعلوا شيئًا سوى (النقة) ومنها يندلع اللهيب، وكأن الشنقيطي يعنيهم وهو يقول :
” من غير خميرة فكرية وأخلاقية ناضجة لا تنجح الثورة أصلاً، بل تتحوّل إلى حرب عدمية، وإن هي نجحت في معركة الهدم فإنها تفشل في معركة البناء”.
أبدأوا مسيرة الزحف المقدس نحو الحرية والسلام والعدالة.. لا تلتصقوا بالعوالق الراكدة اللزجة وتحرروا من (دفن الدقن)، أمعنوا النظر إليى كامل المشهد ورددوا مع البرعي:
(ﻻ ﺗﻐﺮﻙ
ﺃﻏﺎﻧﻲ إﺑﻠﻴﺲ ﻋﻮﺍﻟﻴﻘﺎً
ﺷﻤﺮ ﻳﺎ ﺯﻣﻴﻞ ﻻ ﺗﺨﺸﻰ ﺗﻌﻮﻳﻘﺎً)..