حقوق الإنسان بين (الإسلام) و(الغرب)
إن الغرب هو آخر من يتكلم في شعوب العالم عن (حقوق الإنسان)، ولك أن ترى في واحدة من أكبر الدول الأوربية وهي دولة فرنسا، التي حظرت لبس (النقاب) على المواطنات الفرنسيات والمقيمات في تلك البلاد التي هي أبعد ما يكون عن خرافة العصر (الديمقراطية)، فقد تدخلت في ما تلبسه المرأة هناك، فمنعت تغطية الوجه وأصدرت قانوناً بإصدار مخالفة يدفع مقابلها غرامة مالية على جريمة تغطية المسلمة وجهها!! في الوقت الذي تحمي فيه تلك البلاد وجاراتها من دول المتناقضات تحمي الشذوذ، وأندية العراة، وتمشي النساء في عامة شوارع عاصمتها ومدنها شبه عاريات !! ومؤخراً صارت تحمي (المثليين) فتنقل وبلا خجل ولا حياء شاشات القنوات في فرنسا وفي غيرها من دول أوروبا زواج (المثليين) أي زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة، هكذا تجاهر تلك الدول بحماية أفظع أنواع الجرائم الأخلاقية، وتنقل مراسم عقد زواج المثليين وتسلّط الكاميرات لحظات قيام الرجلين بتبادل العِناق والقُبلات !!
فهل لمثل تلك الدول أن تتكلّم عن حقوق إنسان ؟! هل لها أن تتحدّث عن حقوق (إنسان) والربا حلال عذب زلال بينهم، تقوم عليه مؤسساتهم المالية، يزيد به الغني غنى ويزيد به الفقير فقراً في مظاهر تشهد بتضييع حق الفقراء وانتهاك حقوقهم بسبب فقرهم ؟!!
وقد سبق الإسلام في حفظ حق البيئة والجمادات والحيوانات والطريق فضلاً عن الإنسان الذي حظي من الخالق الجليل بالخلافة والتفضيل.
ينبغي أن يقول كل مسلم ومسلمة وبأعلى الصوت إن الهمجيَّة وانتهاك حقوق الإنسان في كثير مما عليه الغرب الكافر حيث حماية الأخلاق الرديّة وإباحة زواج المثليّة ورعاية أندية العراة الليلية، حتى امتلأت بسبب ذلك دور اللقطاء ومجهولي الهويّة، وانقطعت عندهم الصلات فلا رعاية أمهات ولا عناية أبوية، بل في دور المسنين يقذفون ويرمون شر رميّة.
وقد كفل الإسلام حقوق الإنسان في كل مراحل حياته، في صغره وكبره وهو جنين قبل أن يولد وفي حياته وبعد مماته، رجلاً كان أم امرأة، ولا يحتاج هذا الأمر إلى أدلة أو حجج ليثبت بها فهو أشهر من أن يعرّف به، وأما انتهاكات الغرب لحقوق الإنسان فهي في المقابل أشهر من أن تذكر، تبدأ بالربا وأكل أموال الناس بالباطل، وبيع الدين على الفقراء، والأنانية، والفوضى الاجتماعية المقنّنة، ورعاية الحروب، والمشاركة فيها، والاستعمار، وقتل الأنفس المقنن لديهم في إباحة الإجهاض وقل غير ذلك من رعاية الجماعات المتطرفة والطرق الغالية المنحرفة وتغذيتها وإيواء بعض المتفلتين على حكامهم وبلدانهم ورعاية مواقفهم وتشجيعهم في تخريبهم، وزرع الفساد وترويجه ورعاية الحروب الفكرية . وقل ما شئت في انتهاك الغرب لحقوق الإنسان والمتاجرة بحقوقه.
على المسلم كان رجلاً أو امرأة، من الرعاة أو الرعية أن يفخر بدينه ويعتز به، ويرفع رأسه بأحكام رب البرية التي جاءت لتحقيق المصالح الدنيوية والأخروية، وبأنها حفظت حقوق الإنسان ورعت مصالحه، ولن أخاطب بمقالي هذا تلك الأمم الكافرة وإنما خطابي لمن تأثر بخطابهم من المسلمين فأقول:
إن الأحكام الشرعية في شريعة الإسلام قد شُرعت لغايات مقصودة، وحِكَمٍ محمودة، يتحقق من خلالها السعادة في الدارين، إذ تحقق السعادة منوط بتحقيق المصالح في العاجل والآجل ودرء المفاسد في العاجل والآجل، وهذا ما جاءت جميع الأحكام الشرعية في الشريعة الإسلامية لتحقيقه.
ورغم كثرة الأحكام الشرعية وتعددها وتنوعها بين ما هو حق لله تعالى وما هو حق للمخلوقين وما يجتمع فيه الحقان ، ورغم أن بعضها ورد في العبادات وبعضها في المعاملات وبعضها في الآداب والسلوك والأخلاق، وبعضها في الأموال وصنف في الجنايات وغير ذلك، وبعضها أحكام عامة تشمل الرجل والمرأة ونوع خاص بالرجل وأحكام أخرى تختص بالمرأة إلا أن جميعها جاء لتحقيق المصالح والمنافع الدنيوية والأخروية للفرد والمجتمع، ودفع المفاسد والمضار عنهم في الدنيا والآخرة.
قال الشاطبي: (تكاليف الشريعة ترجع إلى حفظ مقاصدها في الخلق، وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام: أحدها: أن تكون ضرورية. والثاني: أن تكون حاجية. والثالث: أن تكون تحسينية. فأما الضرورية، فمعناها أنها لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة، وفي الأخرى فوت النجاة والنعيم، والرجوع بالخسران المبين والحفظ لها يكون بأمرين: أحدهما: ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب الوجود. والثاني: ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، وذلك عبارة عن مراعاتها من جانب العدم.
فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمان والنطق بالشهادتين، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وما أشبه ذلك. والعادات راجعة إلى حفظ النفس والعقل من جانب الوجود أيضاً، كتناول المأكولات والمشروبات، والملبوسات، والمسكونات، وما أشبه ذلك. والمعاملات راجعة إلى حفظ النسل والمال من جانب الوجود، وإلى حفظ النفس والعقل أيضاً، لكن بواسطة العادات والجنايات- ويجمعها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- ترجع إلى حفظ الجميع من جانب العدم. والعبادات والعادات قد مثلت، والمعاملات ما كان راجعاً إلى مصلحة الإنسان مع غيره، كانتقال الأملاك بعوض أو بغير عوض، بالعقد على الرقاب أو المنافع أو الأبضاع، والجنايات ما كان عائداً على ما تقدم بالإبطال، فشرع فيها ما يدرأ ذلك الإبطال، ويتلافى تلك المصالح، كالقصاص، والديات – للنفس، والحد- للعقل، وتضمين قيم الأموال- للنسل والقطع والتضمين- للمال، وما أشبه ذلك. ومجموع الضروريات خمسة، وهي : حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، وقد قالوا: إنها مراعاة في كل ملة). وغيرها من التشريعات التي جاءت لتنظم حياة الناس وتراعي حقوق الإنسان.
وإنه ليتحقق بأحكام الشريعة الإسلامية جلب المصالح ودرء المفاسد، حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، فالأحكام الشرعية في الشريعة الإسلامية وردت لتحقيق المصالح ودفع المضار، ولمزيد من البيان في ذلك فإن المقصود بتحقيقها لتلك المصالح ودفعها للمفاسد من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، ولذلك فإن غير المسلم قد يفقد حلقة مهمة يعجز بسببها عن الفهم الصحيح للمقاصد التي راعتها الشريعة الإسلامية في تشريعها للأحكام، فإنه مع ما يتضح من الحكمة من تشريع الأحكام الشرعية إلا أنه من الضروري أن يربط ما يتحقق من تلك الأحكام الشرعية بالحياة الأخرى التي ينتقل إليها الخلق بعد نهاية هذه الدنيا.
فليرفع المسلم رأسه وليفخر بأحكام ربّه، ولينظر للكفار وما ينادون به نظرة علمية صحيحة تقوم على أنهم يجهلون ربهم وضلوا في دينهم وهم (كالأنعام بل هم أضل) ويعلم المسلم أنه إذا لبّى لهم أمنياتهم التي تتعارض مع الدين وأحكامه فإن نهايتهم التي يريدونها هي (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) وهي (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) ..