خطيئة النفط
عند تدفق النفط في شرايين الدولة السودانية، وبدأت سنوات الرخاء لإنسان الوسط والسودان النيلي والعاصمة الخرطوم كانت مناطق الإنتاج تئن تحت وطأة الفقر وتفشي الأمراض مجهولة الهوية بسبب مخلفات صناعة النفط وتعرضت البيئة لتخريب وجفت المياه في الأراضي الشاسعة وضاقت مساحات الرعي والزراعة وجعلت الدولة من البترول شأناً “أمنياً” من يرفع صوته من أهالي المنطقة التي تجري فيها عمليات التنقيب “يرمى” به في غياهب السجون والمعتقلات!! ومن يطالب بحقوقه حتى في البرلمان يتعرض للتهديد والوعيد ولم يسلم من التصنيف العنصري البغيض حتى النواب الشجعان حسن صباحي والخير الفهيم المكي.. وتعرضت منطقة “ديار المسيرية” أو ولاية غرب كردفان لعملية قتل بالبطيء انتشرت الأمراض بسبب مخلفات صناعة النفط.. وفسدت البيئة ودخان الغاز الذي “يحترق” لسنوات طويلة ولا يستفاد منه وقد أهلك الضرع والزرع وخمسة عشر ألف شهيد قدمتهم المنطقة دفاعاً عن الخرطوم وحكومات الخرطوم وعن وحدة السودان التي أضاعتها النخب بسوء التقدير وبؤس التفكير.. وعندما وقعت اتفاقية السلام في عام 2005م قدمت ولاية غرب كردفان كبش فداء ووزع دمها بين الولايات واضطر بعض أبنائها لحمل السلاح وتكوين حركات الكفاح المسلح على قول حمدوك هذه الأيام.. من لا يعرف موسى علي حمدين واللواء حسن حامد والبلولة وبندر وعشرات المقاتلين الأشاوس الذين لولاهم لبلغ التمرد هيا ودرديب دعك من شندي والمتمة التي كانوا يتخذونها فزاعة لتخويف الشمال النيلي من خطر التمرد الجنوبي..
الظلم الذي حاق بالإنسان في مناطق إنتاج البترول لا يتمثل في تدمير بيئته الرعوية فحسب.. بل يشمل تجميد قانون قسمة الموارد الذي كان المجلس الوطني قد شرع في إجازته بالنص على حق الولاية أو الإقليم الذي يكتشف فيه أي من المعادن والثروات في باطن الأرض على ما نسبته 10% من الإنتاج.. وجاءت اتفاقية السلام ونص الدستور الانتقالي على 2% فقط وتمت إضافة 2% أخرى من بترول الجنوب لصالح منطقة أبيي.. وتراكم الغبن في الصدور برفض شركات البترول توظيف العمالة المحلية حتى الخفراء والعمال يأتون بهم من الخرطوم وتايلاند والصين ويحرم أهل الحق الأصيل دون مسوغات ومبررات لهذا الظلم.
أما الخريجون من كليات الهندسة وحتى كلية تقنية البترول فلا مكان لهم في امبراطورية البترول التي احتكرتها الأسر الخرطومية وأولاد المصارين البيض ومن يجرؤ على قول الحق يقمع صوته، إما بالتصنيفات الظالمة جهوياً وعنصرياً أو بالطابور الخامس أو موالاة المؤتمر الشعبي وحزب الأمة..
ومحق الله البترول بظلم الدولة لرعيتها واسودت قلوب الحاكمين بسبب الذهب الأسود ووقع تحذير الراحل الترابي “حافراً بحافر” على السودان وحكامه ونضب البترول إلى 70% ألف برميل في اليوم بعد أن بلغ 500 ألف برميل في اليوم بسبب الظلم وسوء التخطيط والتدبير.. والآن جاءت حكومة قوى الحرية والتغيير وقد تجاوزت كل حزام البترول والسافنا في التعيين والتوظيف رغم زهد الناس في المواقع ولكن ينتظرون الإنصاف وإعادة قسمة الموارد بعدالة وتعويض المنطقة عما فقدته من موارد ظلماً وحيفاً في السنوات الماضية..