هذا الجانب من العالم ..!

“نحن في جانب من العالم لا يثق بقدرات الشباب” .. ولاء البوشي ..!

(1)

التمييز العنصري على أساس العمر، داء ظل يستوطن عصب المهن في مجتمعاتنا، ولعل أطرف صور التنميط الإعلامي مع ظاهرة الافتتان بحكمة الشيوخ في تقلد المناصب السياسية – والإصرار على افتراض تلك العلاقة الطردية بين تقدم الأعمار والجدارة بالمناصب – هي شبه جملة “الوزير الشاب”، التي كان يسبغها البعض – بثقة واطمئنان – على بعض الوزراء الذين تجاوزوا الخمسين، واشتعلت رؤوسهم شيباً. بينما لا خلاص لأهل هذا البلد من صبيانية السياسة ومراهقة الاقتصاد، ولا نجاة لهم – بعد لطف الله – إلا بتجديد شباب الأحزاب نفسها. كل آفاتنا السياسية تبدأ من “خطل” المؤسسة الحزبية، وكلها تنتهي باستقامة عوجها ..! 

(2)

يا وزراء حكومة ما بعد الثورة، كلنا أمل أن ترحمونا من “وقوف الحال” – أي نعم وقوف الحال – وللدقة أرحمونا من إيقافه عمداً وبقائه على ما هو عليه. في دواوين الحكومة، وأورقة الخدمة المدنية، وفي تفاصيل السلوك المهني لحراس البوابات وشيوخ المهن. والحكايات التي ظلت تحدث – ببساطة – كل يوم. لا زلت أذكر حكاية طبيب شاب أصيب بالإحباط، بعد سلسلة معاكسات لا حد لها لإجهاض مشروعه التخصصي الوليد، وما أن أدرك استحالة المجابهة حتى شرع في إجراءات مغادرة البلاد خوفاً من بطش شيوخ المهنة وحراس “الأبقار الحلوب”. من سوءات الخدمة المدنية في هذا البلد أن لكل مهنة شيوخاً يحرسون خيراتها، فيعز الحاكم بأمره – فيهم – من يشاء، ويذل من يشاء، ويغلق الأبواب في وجه الأفكار والمشروعات التي يقود رسنها الشباب. ثم ها هي دولة ما بعد الثورة قد أدارت رأسها أخيراً باتجاه الشباب، ولكن كي تنجح جهودها لا بد من تحطيم أصنام الخدمة المدنية التي تعصف بتيارات الإصلاح والتجديد. كفانا تسلُّطاً، وتكلُّساً ..! 

(3)

بينما يسيطر الـ “تين إيجرز” أو جيل ما قبل العشرين على الذوق العام في بلاد العالم الأول، من الموضة إلى صناعة الموسيقا وعالم الميديا. يسيطر عندنا الـ “فيفتي إيجرز” أو جيل الخمسين فما فوق على الذوق الفني العام والمفروض على الصورة النمطية للمواطن  الصالح فرضاً. من قال إنّ الجديد فنياً لا بد أن يقنع العمالقة الكبار من الكهول والشيوخ، قبل أن يتنزل بعد ذلك بقدرة قادر على جيل الشباب؟!. من قال إنّ النص أو اللحن أو حتى الـ “نيو لوك” الذي وُلد من رحم مزاج هؤلاء الشباب وذوقهم العام وتشكل بحسب مشاعرهم وطريقة تفكيرهم، ثم خرج إلى النور مخاطباً آلامهم وأحلامهم – من قال إنه – يجب أن يرتدي باروكة الزمن الجميل حتى يكون عند حسن ظن واستماع الآباء والأجداد؟!. من قال إنّ الولاء الأعمى للماضي الجميل والزمن الجميل يجب أن يُفرض فرضاً على جيل لم يكن شاهداً على تلك الأزمان، والأهم أنه لم ينهل من مزاياها ولم يتمرغ في نعيمها؟!. ذات الذين يطربون لجيل الفن الذي كان ثائراً ومجدداً في عصره يعودون إلى ممارسة الازدواجية في إطلاق الأحكام على الفنون التي تتضمن هموم وأحلام وأوجاع شباب اليوم. فيتذمَّرون من “هيافة” هذا الجيل، جيل “التقنية”، و”العولمة”، و”الفيس بوك”. وهو ذات الجيل الذي أضرم ثورة، واستبسل في حراستها، ثم ها هو اليوم يشارك في قيادة حكومتها. فهلا كففتم ..؟!

منى أبو زيد

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى