لمَ عجَّلتُم بالنزال..؟!
تتّجه البلادُ إلى خيارين اثنين، وفسطاطيْن لا ثالث لهما، فالمجموعة التي وصلت إلى السلطة وهي تحالف حاكِم بلا تفويض انتخابي لفترة انتقالية محدودة الأجل، تبنّت بصورة لا غموض فيها ولا تلوين النهج والخيار العلماني فكراً وسياسة وتحفزاً نحو التطبيق، وهي بذلك تكون كُتلة ذات أيدولوجيا وتوجّهات وارتباطات والتزامات وفواتير لازمة السداد لغيرها وللجهات التي رعتها وموّلتها ودعمتها، ولا غضاضة في أن تًعلن عن نفسها ككُتلة علمانية وتحالف سياسي مناوئ للدين ويسعى لإبعاده في ظل التدافُع الذي سيحدُث.
مقابل ذلك فإن من يتبنّون الخيار الإسلامي وحُماة الدين والعقيدة هم التيار المُقابل والمُجابِه لخيار الدولة العلمانية وسيكونون صفاً واحداً مُتحداً حتى تكون كلمة الله هي العليا، ولن يقفوا مكتوفي الأيدي لربائب المخابرات ومُتسوّلي ووكلاء المنظمات الغربية المشبوهة، وستكون الساحة السياسية ميدان نزال فكري وسياسي حتى تنجلي معركته الفاصلة ..
لدينا الآن فقط تياران وصفّان، فجماعة إعلان الحرية والتغيير عليها أن تزيح الفواصِل بينها والمسميات وتُعلن عن نفسها كياناً واحداً يقود الكُتلة العلمانية اللادينية، وأن لا تُداري ما عندها ولا تضمره في سجوف نفسها الأمّارة بالسوء للدين، ولتبرُز بكل ما عندها، وعلى التيار الوطني الإسلامي أن يستعد أيضاً، فالاصطفاف والتمايز لا مفر منه ولا مناص، ولكلٍّ الحق في أن يعرض بضاعته غير خجِل ولا هيّاب، وتكون البلاد قد تبلورت في كتلتين سياسيتين لا مكان معهما للحلول الوسطى ولا الأحزاب التي تولَد بلا طعم أو لون أو رائحة، فبدلاً عن الفوضى السياسية وكثرة الأحزاب الصغيرة، فلتكن هذه هي التركيبة المناسبة والواضحة بلا غشاوة ولا تدليس من يملك الحق والحقيقة فليسُد ..
نقول ذلك، ولم تمض على عملية إعلان الحكومة إلا ساعات، وقبل أن تؤدي اليمين والقسم، كشفت عناصر الحرية والتغيير والسلطوية عن وجهها الحقيقي وأفرغت ما عندها وبدأت تًعلن عن مواقفها وخططها وتوجّهاتها التي تنتوي إقرارها وتطبيقها، فحسناً فعلتْ فقد قصرّت الطريق، وكشفت عن قواعد اللعبة من صافرة البداية، ولعلها لا تعلم أنها بذلك وهي تُصادِم عقيدة الأمة وتستفز مشاعرها، تدخل في حرور وطيس معركة لا قِبل لها بها، ليس لديها ما تُؤسّس عليه معركتها الفكرية، ولا تمتلك جسارة وتستطيع صبراً على هذا النوع من الصدام السياسي في ساحات ظلت تنوء بهزائم قواسٍ.
استعجل مُستوزِرو الحرية والتغيير في إشهار أنيابهم ضد الدين والعقيدة، في سلوك سياسي أخرق، تصوّروا فيه أنهم قادِرون على محو صحيح العقيدة وراسِخ الدين وما وقر في قلوب أهل السودان، فجعلوا بذلك التصرّف المنكور أن يلفت كلّ مُنتمٍ للتيار العريض الحريص على دينه أن يستل سيفه من غمده ويصيح حتى من سنّ منهم ” قرّبا مربط النعامة مني”، وذاك يوم موعود، وساعة لا ريب آتية ..
يقول قائل.. كُنّا نريد أن تمضي الحكومة الانتقالية الجديدة في أولوياتها الاقتصادية والسياسية وإدراك ما يُدرَك من أوضاع البلاد المتردية وتحسين معيشة المواطنين وتوفير احتياجاتهم الأساسية وتعويضهم ما فات من قصور خدمي وتنموي، لكن بعض وزراء الحكومة وقيادات الحرية والتغيير يريدونها حرباً على دين الله وحرماته، ويريدون تسديد الديْن سريعاً للجهات التي دعمَتْ وسانَدتْ وحرّضتْ وألّبتْ ودرّبتْ ودفعتْ، فللدين رب يحميه وعِباد يحرسونه بمُهَجِهم وأرواحِهم، ومن نعم الله على بلادنا أنها أرض إيمان وطهر، سيذهب فيها الزبد جفاءً، ومن حُسن حظها أن التدافُع فيها قائم لا ينتهي، ولذلك نار الله لا تطفئها مكائد الكائدين، والله مُتِمٌّ نوره ولو كره المُستوزِرون …