“إثر علَّة أصابت تركيبنا الطبقي، أصبحنا إمّا فقير مطحون، أو غني “مديون”.. الكاتبة..!
مُستوى الدخل هو التيرمومتر الذي تحتكم إليه الرأسمالية في تَصنيف المُنتمين إلى الطبقة المُتوسِّطة، والتي يندرج تحتها مُعظم أصحاب الرّواتب “الذين يَنقسمون بدورهم إلى طبقةٍ مُتوسِّطةٍ، وطبقةٍ مُتوسِّطةٍ عليا”.. بينما تعوِّل الاشتراكية على التقييم الأدبي للمهن في تعريفها لفئات الطبقة المُتوسِّطة.. هذا ما كان من أمر القواميس الاقتصادية، ولكن بتعريفٍ دارجٍ – أقل حذلقةً وأكثر التصاقاً بواقعنا المحلي – ما هو تصنيف الطبقة المُتوسِّطة في السودان..؟!
حتى ماضٍ قريبٍ كانت الطبقة المتوسِّطة في السودان هي الفئة الاجتماعية التي تملك حَصانة ضِدَ الفقر، وإن كانت لا تملك إلى الادخار سبيلاً.. لكن الهَزّات الاقتصادية المُتعاقبة أعادت صياغة مفهوم ذلك الانتماء فتمزّق الدرع القماشي الذي كان يحمي أصحاب الدخل المُتوسِّط من مآسي وكوارث الفقراء..!
من أهم أسباب حالة البرزخية الطبقية تلك – في تقديري – هو ازدياد حجم طلب الطبقة المُتوسِّطة على السلع الاستهلاكية – ليس كنتيجة مُباشرةٍ لارتفاع الدخول وبالتالي زيادة المقدرة الشرائية، بل – لشيوع ظاهرة البوبار “الرغبة في التميز والظهور”، فالناس على دين ملوكهم، ومَعلومٌ أنّ المُباهاة بالقوة المادية والتّفاخُر بالنفوذ السِّياسي قناعة راسخة في أدبيات هذه المرحلة السياسية..!
إذن، لا قيام مع القدرة في ثقافة المُنتمين إلى الخدمة المدنية اليوم، بل نفرة مظاهر تعول في شيوعها على ثقافة الأقساط والديون “إن كُنت لا تُصدِّقني فتأمّل في أيقونات المعيشة والترفيه لدى مُتمدِّني الطبقة المُتوسِّطة الذين يمتلك مُعظمهم أجهزة كهربائية وإلكترونية يتم تصنيفها ضمن قائمة الكماليات في عرف نظرائهم/ مُتوسِّطي الدخل في العالم الأول”..!
وهكذا، بفضل دُخُول ثقافة التسهيلات المبذولة من الشركات، والقُرُوض المُقدّمة من البنوك، أصبحت الأقساط بنداً إضافياً يَثقل كاهل رَبّ الأسرة المُتوسِّطة، فتتطاول الدُّيون على حساب مُنصرفات حياتية أكثر أولويةً وإلحاحاً..!
هذا السلوك الجمعي أنتج ظاهرة الشخصية المُزدوجة، فمُعظم أفراد الطبقة المُتوسِّطة العُليا يظهرون في المُجتمعات بمظهر الغني، بينما يعيشون بين جدران بيوتهم أسلوب حياة أقرب إلى الاكتفاء منها إلى الغنى “لرتق ثقوب الميزانية التي مزّقها البوبار”..!
ناهيك عن بطالة الشباب التي أضافت إلى أدواء الطبقة المُتوسِّطة عبئاً آخر خطيراً، فالشباب العاطلون عن العمل، يعتمدون – في حفاظهم على مظهر أبناء الطبقة المُتوسِّطة – على دخول ذويهم، بينما يستمرون في البقاء بلا عملٍ – على طريقة صدر بيت أبي فراس الحمداني “ونحن أناس لا توسط عندنا” – لأنّ “برستيج” طبقتهم الاجتماعية لا يسمح لهم بمُزاولة أعمال ومهن أبناء الطبقة الكادحة..!
والنتيجة دُيون بنكية مُتفاقمة.. أموال عظيمة مُهدرة على مذبح المظاهر الكاذبة.. سُلُوكيات وظواهر مُجتمعية سالبة تزداد شُيُوعاً فَرُسُوخاً – على طريقة عجز ذات البيت لأبي فراس الحمداني “لنا الصدر دون العالمين أو القبر” -.. ثم، زيادة محلية في أسباب الاحتباس الحراري.. ومُساهمة سُودانية في تَآكُل المَزيد.. والمَزيد.. من طبقة الأوزون..!
منى أبو زيد