المعلومات… من يملك الشفرة؟
هل تتسبب في أزمة بين أفراد السيادي؟
الخرطوم: صلاح مختار
رغم أن الناطق الرسمي باسم المجلس السيادي محمد الفكي سليمان، بدا حديثه لـ(العربية) هادئاً مقراً بأن شركاءهم العسكريين في المجلس السيادي بدوا منسجمين بعد الاتفاق الذي تم توقيعه في الشهر الماضي، بيد أنه أشار في حديثه إلى اتهام العسكري بأنه يحتكر المعلومات المتعلقة بالدولة وهو ما يقود ــ على حد تعبيره ــ إلى ما قد ينسف روح الشراكة، وتابع الرجل بالقول: (إن شركاءنا العسكريين حصلوا على كثير من المعلومات المتعلقة بالدولة، وذلك بحكم وجودهم في الحكومة السابقة، وهذا ما لا يتوفر لدينا وبالتالي أصبحت المعلومات نقطة قوتهم، لذلك وما لم تحدث مشاركة للمعلومات قد نلجأ – وهو يقصد المكون المدني في السيادي – الى استخدام نقاط قوتنا، وهذا ليس في صالح الاستقرار).
إذاً السؤال الذي يطرح نفسه ما هي المعلومات التي يحتكرها العسكري، ولا يريد مشاركة المدنيين فيها؟ وهل تلك المعلومات مصدر للقوة بين المكونين؟ وإلى أي مدى يمثل عدم تبادل المعلومات نقطة خلاف بينهما؟ وهل للمدنيين في المكون السيادي نقاط قوة يمكن استخدامها كمهدد ضد العسكري؟
غتغتة ودسديس
(إذا كانت النار من مستصغر الشرر)، فإن الحديث الذي أدلى به الناطق الرسمي باسم المجلس السيادي فيه تلميح إلى وجود خلافات وعدم انسجام بين المكونين، بل فيه تهديد بعدم الاستقرار، وبالتالي كما قال نائب رئيس المجلس السيادي الفريق أول محمد حمدان دقلو في حديث سابق (إن زمن الغتغتة والدسديس انتهى)، ولأن الحديث السابق لا ينسجم مع شعار الثورة “حرية سلام وعدالة”.
ناشط سياسي
واستغرب المحلل السياسي والاستراتيجي يونس محمود في حديثه لـ(الصيحة) من تصريحات الفكي، وقال أولاً هذا الناطق الرسمي الآن هو ناطق رسمي باسم المكون المدني وليس الناطق الرسمي باسم مجلس السيادة بتصريحه هذا أصلاً واضح انه سلخ نفسه بتصريحه هذا, ثانياً هو ما يزال ينظر بعين الريبة إلى هؤلاء العسكريين في المكون العسكري بالمجلس السيادي أنهم الدولة العميقة وأنصار النظام السابق الذين اضطرتهم ظروف موضوعية بأن يقفوا هذا الموقف، وبالتالي هو يرى هذا من وجهة نظره.
الأمر الثالث مارس الابتزاز مباشرة وبطريقة وقحة جداً بأن يعطى المعلومة دون أن يحدد ماهية تلك المعلومات أو لديه خيارات أخرى وهي معلومات متخيلة في ذهنه هو بالتالي هو ناشط سياسي وليس عضو مجلس سيادة رأس دولة.
للحديث بقية
ونظر محمود لحديث الفكي بأنه ناشط سياسي فجأة وجد نفسه يمثل واحداً من أحد عشر شخصاً في رأس دولة، بالتالي هذا هو شاهد على أن القضية ما تزال فيها بقية إذا كان هذا أسلوب عضو رأس الدولة وناطق باسم المجلس يتهم المكون العسكري ويضعه في مواجهة باسم المكون المدني وينصب نفسه ناطقاً باسم السيادي، تصبح هذه مغالطة وواحدة من طرائف الزمن.
واعتبر المعلومات غير حقيقية باعتبار (هؤلاء ساكتين على راي جاءوا به من الدولة العميقة ما دايرين يشاركونا فيه قابضين ورقهم عليهم)، لذا قالوا (إما أن تأتوا بالمعلومات وإما نوريكم المكشن بلا بصل).
قلة خبرة
وقرأ المحلل والخبير العسكري الفريق محمد بشير سليمان لـ(الصيحة) ذلك الحديث من زاوية أن هذا الشخص لا يعرف واجباته وليس لديه خبرة ولا يعلم ماهية واجباته وكيف يمكن أن يحصل على المعلومات، وقال: كان لا ينبغي وهو في موقعه أن يشتكي من عدم الحصول على معلومات, والذين ذكرهم من العسكرين تواجدوا بحكم مسؤوليتهم عن الأمن القومي، والأمن القومي هو معلومات ومن الميسور إن أراد المتحدث باسم السيادي أن يطلب أي معلومة ويجدها ويبحث لدى جهاز المخابرات والمخابرات العسكرية والشرطة عن المعلومات والحصول أو طلب تنوير كامل له عن الأمن في الدولة وتحدياته والمهددات.
مؤسف ومحزن
وعبر سليمان عن حزنه وأسفه للحديث الذي أدلى به الناطق الرسمي باعتبارهم في مجلس السيادة مسؤولين عن مجلس الأمن القومي من مكوناته أي تقارير أمنية بالضرورة يكونوا ملمين بها، ولفت إلى أن هناك تقريراً يومياً يمر عليهم في المجلس ويقومون بالتعليق عليه، وإذا كان التقرير يحتوي على معلومات خطيرة يناقشها المجلس السيادي.
روح عدائية
ويرى سليمان: ليست هناك صعوبة في الحصول على المعلومات، وبالتالي حديثه بأنه سيلجأ إلى قوتهم حديث غير مسؤول ويعبر عن روح غير توافقية، وقال: أنا أكرر أن هذا الشخص لا يعرف (شغله) وكلامه غريب, أما تهديده بأنه سيلجأ إلى مصادر قوتهم، فهذا ليس في صالح الاستقرار، وهذا يعني أنه لم يأت أصلاً من أجل الاستقرار، وإنما جاء بروح عدائية، لكنه صامت ويستخرج الكروت في إطار القوة التي يريدها، وبالتالي دمغ نفسه باتهام بأن لديه خلايا نائمة، ولذلك هذا كلام غير مسؤول.
“حبل الصرة”
وتوقع سليمان أنه لن يحصل توافق أبداً فيما بين مكونات المجلس السيادي، وقال: التوافق لا يحكم عليه الآن لابد من الصبر حتى الآن (حبل الصرة لم يقطع)، وأضاف: أقول هذا الحديث وأنا غير متفائل بهذه الروح وأرى من حق العضو في السيادي طلب المعلومات في أي مسألة مطروحة للنقاش في وقت كافٍ (حتى لا يأتي كالأعمى أو الأطرش) ولو كنت رئيساً للمجلس السيادي لسألته عن قوته التي يهدد بها ويجب أن يثبتها.
روشتة مجانية
يبدو واضح أن الجانب المدني للسيادي متحسس لرد فعل سالب تجاه المكون العسكري، وما زال المجلس السيادي مكوناً من جزئين عسكري ومدني، ويرى سليمان أن هناك عدم ثقة غير متوفرة تعتبر مؤشراً سالباً لأي محلل، وهناك أمور جوهرية تؤسس لمرحلة الثلاث سنوات تتطلب من رئيس المجلس السيادي أن يقوم بالآتي: أولاً عمل برنامج تنوير مركزي في جلسة واحدة تكون فيه كل المكونات المسؤولة عن المعلومات حاضرة يتحدث فيه عن مهددات الأمن القومي بتفاصيلها الداخلية والخارجية والماضي السياسي للدولة السودانية كيف كانت حتى يضعوا في بالهم الموضوعات الاستراتيجية ومعالجاتها والتفكير في شكل الأحداث.
وأخيراً يجب أن يبصروا هؤلاء الجدد عن ماهية المجلس السيادي، وهل من حق أي شخص أن يتحدث، وقال: (ليس كل ما يعرف يقال)، وكل ما يقال في المجلس السيادي يجب أن لا ينقل للخارج، ويجب أن ينبه إلى خطورة الحديث الذي قاله الفكي واعتبر هذه روشته مجانية للسيادي.
قفص الاتهام
ووصف المحلل السياسي الدكتور الفاتح محجوب لـ(الصيحة) حديث الفكي بالمتهور، وقال: ببساطة التصريح متهور. وشيء طبيعي لا يمكن لشخص أدى القسم قبل يوم أو يومين أن يكون ملماً بتفاصيل الدولة مثلما كان شخص آخر يمارس أعباء السلطة وهو أمر طبيعي.
انسياب المعلومات
الأمر الثاني الذي لم يستوعبه الناطق الرسمي بحسب محجوب هو أن مجلس الوزراء الآن وليس السيادي هو المعني بممارسة السلطة التنفيذية، بالتالي انسياب المعلومات لا يذهب إلى المجلس السيادي مثلما كان ينساب إلى المجلس العسكري، وبالتالي المعلومات تكون عند مجلس الوزراء وليس عند المجلس السيادي, وبالتالي هو تصريح متهور، صحيح عندما يجتمع المجلس السيادي بشقيه المدني والعسكري مع مجلس الوزراء يستطيع الشق العسكري أن يناقش مواضيع الدولة مع مجلس الوزراء بسلاسة بحكم أنه كان ملماً، أما الشق المدني في الغالب يفتقر إلى المعلومات، ولكن هذه المعلومات تنساب بشكل تدريجي بالاتصال مع مجلس الوزراء بحسبان أن المجلس هو الذي يمتلك السلطة التنفيذية، ويعني أنه هو الجهة التي ستكون عندها المعلومات في الفترة القادمة.
إدارة الدولة
وقال: الذي يبحث عن التاريخ يستطيع أيضاً أن يطلب من مجلس الوزراء معلومات قديمة، وبالتالي يستطيع أن يراجع ويذاكر ويتحصل على معلومات، ولكن من يجلس في مكتبه وينتظر المعلومات في وقت أصبح فيه مثل هذا النوع من المعلومات يخص مجلس الوزراء، ولا يتم رفع تقارير عنها للمجلس السيادي، بالتالي مثل هذا التصريح متهور وغير واقعي أثبت صاحبه أنه بعيد عن الإلمام بطريقة إدارة الدولة، مؤكداً أن حمدوك ومجلس الوزراء هما الجهة التي تمتلك المعولمات في إدارة الدولة، وهو لا يحتاج للشكوى للمجلس العسكري، وإذا أراد أي معلومات يستطيع أن ينسق مع مجلس الوزراء.