إفادات جريئة في جلسة محاكمة البشير..ممثل الاتهام يثير الجلسة ويُربك الشهود
الخرطوم: أم سلمة العشا
تصوير: محمد نور محكر
حفلت الجلسة المخصصة لسماع شهود الدفاع عن الرئيس السابق عمر البشير، بإفادت جريئة، أدلى بها الشهود أمام المحكمة، أمس، وسيطر عضو هيئة الاتهام وكيل أول النيابة العامة، د. الهادي زايد رابح، بأسلوبه القانوني على الجلسة، حيث لفت اعتراضه على مجمل الطلبات المقدمة من قبل هيئة الدفاع، بجانب توجيه أسئلة أربكت شهود الدفاع في بعض الإفادات المسجلة، فالرجل يتمتع بخبرة قانونية عالية، ودرجة رفيعة في الإمعان في التسلسل والسرد الذي تلاه الشاهد في القضية، مكنته من توجيه الأسئلة وفقاً للنصوص الواردة في القانون، فالرجل لم تفته شاردة ولا واردة إلا وتطرق لذكرها للشاهد…
في المقابل جاءت اعترافات الشهود باستلام مبالغ ضخمة من البشير، تفوق الـ(15) ملايين يورو، تم توزيعها حسب التوجيهات والأوامر الصادرة منه على مؤسسات حكومية وأخرى خاصة..
هيئة الدفاع تقدمت عبر ممثلها هاشم أبو بكر الجعلي بطلبين، الأول يتعلق بتعديل ورقة الاتهام، والآخر يتعلق بالاعتراف القضائي.. المحكمة بدورها خاطبت الاتهام بشأن الطلبات المقدمة من قبل هيئة الدفاع، والتي أكدت أنها سترد على الطلبات، وتحديد موعد آخر لجلسة محاكمة البشير، حددته المحكمة في الرابع عشر من سبتمبر الحالي الساعة العاشرة صباحاً، بمعهد العلوم القضائية.
سماع شهود
كما هو معلن في الجلسة السابقة، ومحدد من قبل المحكمة، أن الجلسة مخصصة لسماع شهود الاتهام في الدعوى الموجهة ضد الرئيس السابق البشير على خلفية اتهامه في البلاغات وفقاً لتهم تحت طائلة المواد (5،9) من قانون التعامل بالنقد، لسنة 1981، والمادة (6) من قانون الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989، والمواد (2،7) من قانون الطوارئ رقم (3،6) لسنة 2019.
ممثل هيئة الدفاع هاشم أبو بكر الجعلي، التمس من المحكمة حماية الشهود، وأشار إلى أن أحد الشهود المرفقين في قائمة تم تسليمها لقاضي المحكمة، تعذّر حضوره الجلسة لظروفه الصحية التي حالت حضوره الجلسة كما هو مقرر مسبقاً.
ومضى الجعلي، أن الشاهد، حاتم حسن بخيت مدير مكاتب البشير، تم القبض عليه عقب انقضاء الجلسة الماضية من قبل هيئة الاتهام، وحسب عضو الدفاع فإن الشاهد تعرض نتيجة التحقيقات المكثفة معه، للإصابة بارتفاع في الضغط، والسكر ألزمه السرير. مبررات ساقها عضو هيئة الدفاع بموجبها طلب من المحكمة حماية الشهود.. جاء رد المحكمة حاضراَ من قبل القاضي، بأن حماية الشهود، تتم وفقاً للقانون ولما جاء في القرآن والسنة، والتي تتعلق بالحماية من أي أسئلة محرجة، كالتعدي على أخلاق الشاهد، وأضاف”الشهود لم يكونوا داخل قاعة المحكمة حتى يتسنى للمحكمة حمايتهم”.
طلبات الدفاع
التمست هيئة الدفاع، عبر ممثلها هاشم أبو بكر الجعلي، طلبات من المحكمة، تتعلق بتعديل ورقة الاتهام بموجب المادة (47) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991، وطلب يتعلق بملابسات الاعتراف القضائي، بموجب المادة (140) من قانون الإجراءات الجنائية، بجانب طلب تعديل أمر الطوارئ رقم (6) الخاص بحظر تخزين العملة الوطنية الصادر من رئيس المجلس العسكري الانتقالي الصادر بتاريخ 27 يونيو 2019… في المقابل جاء رد هيئة الاتهام حول الطلبات المقدمة من قبل هيئة الدفاع، حيث أكدت الرد على الطلبين الثلاثاء المقبل أمام المحكمة الموقرة.
تحديد الشهود
عقب توضيح هيئة الدفاع عن البشير، طلبت المحكمة تحديد شهود السماع الحاضرين في المحكمة.
من جانبها أرفقت هيئة الدفاع قائمة معتمدة بأسماء الشهود في مقدمتهم حاتم حسن بخيت، مدير مكاتب البشير سابقاً، مندوب جهاز الأمن والمخابرات، وشرطة الجمارك، جامعة إفريقيا العالمية، السلاح الطبي “مستشفى علياء” مندوب بنك السودان المركزي، بجانب خبير اقتصادي سيتم تحديده لاحقاً.. بدأت الجلسة بسماع شاهدين أمام المحكمة أمس تم استجوابهما، حيث استمعت إلى الشاهد الأول محاسب بجامعة إفريقيا العالمية، والآخر مدير مكتب البشير بالقيادة العامة للجيش حول مبالغ مالية ضخمة سلمها البشير لمؤسسات حكومية وخاصة..
مستندات وإيصالات
كانت المستندات وإيصالات الأمانة، عن المبالغ المستلمة من الجهات المذكورة، محضر الجلسة بحوزة الشاهد الأول مندوب جامعة إفريقيا العالمية، عبد المنعم محمد الخضر، وفقاً لمهمته التي كُلف بها بالجامعة، في وظيفة محاسب مبالغ ضخمة أقر باستلامها وإيداعها بالبنوك باسم الجامعة تسلمها في الغالب عبر المدير العام للجامعة كمال عبيد، فالشاهد رغم أن تعيينه في الإدارة المالية بالجامعة تم في العام 2015، حسب إفاداته أمام المحكمة، أقر بتسلمه في العام 2018 مبالغ بالعملة الأجنبية (اليورو) نقداً، وفقاً لتوجيه إدارة الجامعة، بأن المبالغ تسلمتها من الرئيس السابق عمر البشير، “رئاسة الجمهورية”، أشار الشاهد في حديثه أن المبالغ عبارة عن دعومات لمشاريع، مختلفة خاصة بالجامعة، كالتعليم الإلكتروني، وإنشاء المزارع..
ثقة كاملة تخللت حديث الشاهد من خلال اعتماده على المستندات التي بحوزته، وهي عبارة عن صور لتلك المستندات، سلمها للمحكمة، وهيئة الاتهام… كما أن الشاهد أكد على أن المبالغ المستلمة مسجلة بالحسابات في الجامعة، والتي قال إنها عبارة عن دعم من رئاسة الجمهورية للجامعة… حيث كشف عن تسلمه مبلغ مليون يورو بتاريخ 4/3/ 2018، بجانب تسلمه ذات قيمة المبلغ بتاريخ 31/5/2018، فضلاً عن تسلمه مبلغ 4.600 يورو، تم إيداعها ببنك الشمال الإسلامي، كما أشار إلى أنه بتاريخ 25/11/2018 تم إيداع مبلغ 2 مليون يورو، (1.400) يورو ببنك أم درمان الوطني، بجانب إيداع مبلغ (600) ألف يورو ببنك الشمال الإسلامي في ذات التاريخ… جملة المبالغ المستلمة من رئاسة الجمهورية حسب إفادات الشاهد، بلغت نحو (4) ملايين يورو.
اعتراض اتهام
ما أن تسلمت هيئة الاتهام صور المستندات، وإيصالات الأمانة، بالمبالغ التي استلمتها جامعة إفريقيا، اعترض عضو هيئة الاتهام الهادي زايد، على تلك المستندات، وأوضح اعتراضه للمحكمة، بأن المستندات عبارة عن صور، كما أن الأختام التي عليها غير واضحة، والتمس من المحكمة طلب الشهود إحضار أصل المستندات التي تثبت ذلك… في المقابل وجه ممثل الاتهام أسئلة إلى الشاهد، تتعلق بتبعية الجامعة في أنها حكومية أم خاصة، ومن الذي تسلم المبالغ، وهل إذا كان لديه علم بالإجراءات المالية التي تمت من قبل رئاسة الجمهورية، وهل تخضع الجامعة للمراجعة من قبل المراجع القومي؟ حيث جاءت ردود الشاهد في أن الجامعة حسب اتفاقية المقر لعام 1984 أنها جامعة خاصة، كما أفاد الشاهد أن المبالغ تسلمها من نائب المدير العام للجامعة، وأنه ليس له علم بالإجراءات التي تمت.. بجانب أنه كشف عن عدم إخضاع الجامعة للمراجعة.
إقرار بتسليم المبالغ
إفادات صريحة أدلى بها مدير مكتب الرئيس بالقيادة العامة اللواء ياسر بشير، الذي استمعت إليه المحكمة، حيث أقر بأن البشير سلمه أموالاً لتوزيعها على المؤسسات الحكومية والخاصة.
وكشف خلال استجوابه أنه سلم مجموعة من المؤسسات بتوجيه صادر عن الرئيس السابق البشير مبالغ تم تفصيلها على النحو التالي، مستشفى علياء الطبي مبلغ (2.250) يورو والسلاح الطبي 2 مليون يورو والدعم السريع مبلغ 5 ملايين يورو و4 ملايين يورو لجامعة أفريقيا، بجانب تسليم التصنيع الحربي مبلغ 2 مليون يورو و2 مليون يورو لوزارة الدفاع لمطار سكر كنانة.
طلب استبعاد ورد
ما أن طلبت المحكمة شهادة الشاهد الثاني، مدير مكتب البشير السابق، إلا وسارع ممثل الاتهام الهادي زايد وتقدم بطلب للمحكمة، باستبعاده، استناداً على نص المادة (25) إثبات المتعلقة بإفشاء المعلومات السرية، وزاد الهادي، طالما أن الشاهد لم يأت بإذن من القوات المسلحة، حتى يتمكن من الإدلاء بشهادته، في المقابل، جاء رد ممثل الدفاع بأن ما وصل إلى الشاهد من معلومات لم يكن ذا طابع سري، كما أنه في الأصل هي ليست معلومات، وإنما بينات ومبالغ مالية تتعلق بموضوع الدعوة، وهي في نظر دفاعنا ليست لها علاقة بالميزانية المخصصة للدولة.
جهات مستفيدة
قدم الشاهد اللواء ياسر بشير مدير مكاتب البشير “إيصالات أمانة” بكل المبالغ التي قام بتسليمها للجهات المستفيدة من الأموال، وقال في رده على اسئلة الاتهام إنه “احتفظ بها لمثل هذا اليوم”، وأفاد أنه تم تعيينه مديراً لمكتب الرئيس في العام 2015 حتى العام 2018 مع اندلاع الأحداث، وتم تعيينه مديراً لكل مكاتب الرئيس في رئاسة الجمهورية، والقصر، وبيت الضيافة، مقر إقامة البشير، وأشار إلى أن مهمته تنحصر في التصرفات المالية بتوصيل مبالغ إلى جهات بتوجيه صادر عن البشير، كما أنه تسلم مبلغ 200 مليون يورو من البشير، يتصرف فيها هو حسب حاجة العساكر بغرض العلاج بالخارج، وكشف عن تسلم نحو 60 عسكرياً، مبالغ منها، بجانب اثنين من رواد الفن، و20 من المدنيين بواسطة الضباط.
إجراءات محكمة
جرت المحكمة وسط اجراءات وحراسة أمنية مشددة برئاسة قاضي محكمة الاستئناف د. الصادق عبد الرحمن الفكي بحضور هيئتي الدفاع والاتهام عن البشير وحضور لافت من أفراد أسرة البشير وأقاربه الذين احتشدوا داخل قاعة المحكمة وسط تكبير وتهليل لحظة دخول البشير ودخوله قفص الاتهام.