يتجادل كثيرون حول الحكومة الانتقالية وأهليّتها في قيادة الفترة الانتقالية بكفاءةٍ ونجاعةٍ وحيادٍ، ومهارتها في العبور إلى واقع سياسي تلتئم فيه اللُحمة الوطنية، وتنقشع السحب الداكنة المملوءة بالكراهية والحقد والتجنّي الأعمى على الحُرُمات والانحدار المُستسفِل لأخلاق البعض التي وصلت إلى تجاوز ما حرّم الله والسخرية من دينه، فما من شك أن الحكومة نفسها تبدو مفجوعة في بعض وزرائها لما ولغوا فيه وفي ما لا يعنيهم، وطفقوا يُعبّرون عن آراء وأفكار ليس هذا مكانها، وليس هذا أوانها، ولا جاء زمانها، وسيكون هؤلاء سبباً في إشاحة وجوهٍ كثيرةٍ عن وجه الحكومة التي لم تبدأ بعد، ولم تُعلِن عن برنامج وخطة متكامِلة ولا مُوجّهات للعمل في الفترة المقبلة سوى الشعارات والإسقاطات الثورية التي ينضح بها كل إناء…
هناك من يرى أن الحكومة تستطيع إذا انتهجَت نهجاً عملياً واقعياً مُتعقّلاً وابتعدت فيه عن الأجندة السياسية لشركائها المتشاكسين، أن تتقدم خطوة إلى الأمام إن كانت تسعى إلى الإصلاح ووقف التدهوُر الاقتصادي وتوفير الخدمات وزيادة الإنتاج وتحفيز القطاعات الإنتاجية وزيادة الإيرادات وتنويع الموارد، وتحقيق مطلب الشعب في حرية سياسية ذات مسؤولية وطنية تُسيّجها من الغلو والتطرف الحزبي والتشنّج السياسي وتهيئ البلاد لممارسة راشدة تؤسّس لتحوّل ديمقراطي حقيقي يُتوّج بانتخابات حرة ونزيهة مبرّأة من كل عيبٍ بعد نهاية الفترة الانتقالية عقب السنوات الثلاث.
وهناك من يوقِن أن الحكومة بتركيبتها الحالية وهي تركيبة مُعتلّة، وتسببت عوامل عديدة في جعلها تحمل بذرة فنائها في أحشائها، لن تقوى على مجابهة التحدّيات والصعاب التي أمامها، لسببين رئيسيين، أولهما أنها ليست وحدة واحِدة تنتظم في خيط فكري وسياسي واحد يُنظّم فصولها ويجمع تعدّدها، فهي مشارِب مختلفة وتنظيمات تتربّص ببعض، تتصافَح بأيديها اليمنى وأيسارُها تحمل خناجر تترصّد الظهور، ثانيها أنه إذا لم تنسق رؤية سياسية وبرنامج عمل تنفيذياً ذا أبعاد عميقة، كيف سيكون إيقاع الحكومة؟ وكيف تكون معالجاتها للقضايا المُتشعِّبة التي تأخذ برقاب بعض، خاصة وزارات القطاع الاقتصادي ونقاط تلاقيها مع القطاع السيادي والاجتماعي، وكيف يتم التفاهُم وتقدير الاعتبارات الأمنية والسياسية مقرونة بالعلاقات الخارجية؟ وكيف يتم تفهّم حاجة ومطلوب الداخل وضرورات إصلاحه بالمزاج المُتعجّل للشارع الذي أفرز وجود التحالف الذي يشكل الحكومة؟
بين هذين الرأيين يجري الجدل، فمن تفاءل له عذر ومن تشاءم له ألف عذر، لأن الأحزاب السياسية خاصة التي تقود الحكومة لم تتخلّص من دائها المُقيم ولم تترك ضلالَها القديم، فهي لجأت إلى أساليب الطمع والخداع والمحاصصة والتعمية البلهاء، فبدلاً من التقيّد بمعايير الكفاءة والنزاهة وعدم الانتماء الحزبي، وكان هذا أوفق لها وأفضل، أصرت أن تُحاصِص بعضها وتلتف حول المُتّفق عليه وتأتي بكوادرها وخاصة غُلاتهم، وتضيف منقصة أخرى أنها تحت الفضاء اللامع لرقصة الهياج الثوري اختارت الناشطين من كوادرها الخارجية لتلقي بهم في يم القضايا المُعقّدة التي لا يعرفونها جيداً ولا يستوعبون مآزقها ومزالقها، وجُلّهم بلا خبرة تنفيذية ولا تميّز مهني مشهود، فهل ستتحمّل الأحزاب المكوّنة للحرية والتغيير أي فشل مُتوقّع ؟ أم تهرب للأمام وتلقي اللائمة على غيرها، وتروغ كما تروغ الثعالب..؟!!