إن الفكرة الجمهورية التي أظهرها محمود محمد طه وصرَّح بها بكلِّ جُرأة ووضوح قامت على ادعاء (رسالة ثانية) بعد دين الإسلام الذي ختم الله به الأديان، وحدّدت موقفها من مصدري التشريع في الإسلام وهما القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام من جهة فهمهما والعمل بهما !! في دعوة كفرية شيطانيّة جهرت بالتخلي عن تشريعات الإسلام، ودعت لتشريع (فردي) جديد يصل إليه كل فرد بطريقته !! فينسف بذك الأحكام الشرعية وفي مقدمتها: (أركان الإسلام الخمسة) وأحكامه التي أجمع عليها المسلمون منذ بزوغ شمس الإسلام حتى يومنا هذا تحت مصطلح لم يسبق إليه محمود محمد طه سمّاه : (الأصالة).
فجاء محمود محمد طه الذي دخل المعتقل في النصف الثاني من أربعينيات القرن الميلادي الماضي عام 1946م حصلت له فيه وساوس شيطانيّة زيّنت له جملة من الخزعبلات والخرافات والأساطير التي لم يسبقه إليها أحدٌ، وعشعشت في رأسه، ثمَّ زادت تلك الوساوس الشيطانيّة بعد خروجه من معتقله بدخوله وانقطاعه بعد ذلك في (خلوة) استمرت لمدة ثلاث سنوات..
ففسّر الشهادتين بغير تفسيرهما الصحيح، وادّعى أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن خاتم الرسل، وإنما كان خاتم النبيين!!! وادّعى أن الفرد يترقى في سلوكه حتى يكون هو (الله)!! فأظهر (المقتول ردّة) محمود محمد طه – بلا حياء ولا خجل – القول بوجود رسالتين في الإسلام؛ وادّعى لنفسه أنه المأذون له بالرسالة الثانية!! بل صرّح بنبوته، وادّعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام يجب تقليده في (أصالته) أي الوصول إلى الله ثمّ لكل (فرد) أن يعبد الله وفق ما يصل إليه!! وبهذه الدعوة الكفرية يبطل دين الإسلام وتشريعاته، ويحل محله تشريع الشيطان والهوى، فشرّع محمود محمد طه (صلاة الأصالة) وهي لا تمتُّ بصلة للصلوات الخمس المفروضات في الإسلام، عبّرت عنها ابنته في لقاء صحفي معها بقولها: (لم يكن يصلي الخمس أوقات، أرجو أن ترجع إلى كتاب رسالة الصلاة لأن هذا أمر كان يخص الأستاذ)، وقالت: (هو كان يصلي أكثر من الخمسة أوقات لأن نفسه الصاعد والهابط كان صلاة, وهو يرى أن العبادة يجب أن تكون أسلوباً للحياة تجلب الخير للناس وتمنع عنهم الشر) ثم قالت: (كل عباداته كانت خاصة به لأنه أصيل فيها، أرجو أن ترجع في ذلك إلى كتبه لأنها هنالك مفصلة بشكل أكبر).
واستبدل الصيام بما يسمى بــ (الصوم الصمدي) وهو المواصلة للصوم ثلاثة أيام وأسبوعاً وواحد وعشرين يوماً دون أن يكون بينها فطر!! وادّعى أن الزكاة هي ما عليه مبادئ الاشتراكية الشيوعية، وفي الحج أيضاً لم يحج ليس لأنه غير مستطيع، ولكن انطلاقاً من مبدئه في أن المكلّف يصل للطريقة (الخاصة به) في العبادة..
ولأن (الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره) وانطلاقاً من القاعدة الشرعية: (البيّنة على المدّعي)، فإني أُعرضُ في هذه الحلقات تلخيصاً لحقيقة دعوة محمود محمد طه وفكرته المسماة (الفكرة الجمهورية)، وذلك بعرض بعض ما قاله وكتبه ونشره محمود محمد طه بنصِّه وحرفِهِ، وأرفق – للتوثيق – مع كلِّ نقلٍ (الرابط الإلكتروني) للوصول إلى الصفحة عبر الشبكة العالمية للاتصال (الانترنت) ليقف من يطلع على هذه الحلقات على ما أوردته منقولاً مما نطق به محمود محمد طه، علماً بأن ما أُورده في هذه المقالات هو عبارة عن نماذج راعيتُ فيها الاختصار والإيجاز، وفي ثنايا العرض وخاتمته أوضّح الصلة العقديّة والفكريّة بين مخترع الفكرة الجمهورية وبين القائمين على إحياء هذا الفكر المقبور الذي قيّض الله تعالى له الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري (أب عاج) رحمه الله وغفر له فقطع نبتته الخبيثة .
إن الفكرة الجمهورية لمن لا يعرفها ما هي إلا دعوة للتخلي عن شريعة الإسلام وأحكام الدين الخاتم تحت دعوى محمود محمد طه أنّ الذي نُسِخ من آيات القرآن كان لوقتٍ محدّد يرجع العمل به بعد عدة قرون، وأن ما تم تشريعه كان – أيضاً – لوقت محدّد صاحَب فترة الجاهلية الأولى فإذا جاءت الجاهلية الثانية تم تغيير الأحكام والتشريعات تحت دعوى (تطوير الشريعة)، وأما العبادات فهي شأن خاص يصل به المكلف إلى الأصالة بكيفية تختلف من شخص لآخر.
*وفي ما يلي أورد النقول التي توضّح حقيقة محمود محمد طه وفكرته مع تعليقات موجزة:
1/ قال محمود محمد طه وهو يجهر بأن دين الإسلام لم يكن بــ(رسالة واحدة) وإنما يقوم على (رسالتين): (وما أريد في هذه المقدمة إلى شيء من تفصيل يتناول مواضيع الكتاب المختلفة، وإنما أريد بها إلى تقرير أمر يهمني تقريره، بادئ ذي بدء، وذلك أن الإسلام رسالتان: رسالة أولى قامت على فروع القرآن، ورسالة ثانية تقوم على أصوله.. ولقد وقع التفصيل على الرسالة الأولى.. ولا تزال الرسالة الثانية تنتظر التفصيل.. وسيتفق لها ذلك حين يجيء رجلها، وحين تجيء أمتها، وذلك مجيء ليس منه بـد .. ( كان على ربك حتماً مقضيا).
2/ وقال في توضيح دعوته للرسالة (الثانية) التي ادّعى أنه صاحبها: (فقد أصبح واجباً على ورثة الإسلام – على ورثة القرآن – أن يدعوا إلى الرسالة الثانية، تبشيراً بالعهد الجديد الذي أصبحت البشرية تشعر بالحاجة الملحّة إليه ..) إلى قوله: (ترسم خط سيره آيات الأصول – الآيات المكية – تلك التي كانت في العهد الأول منسوخة بآيات الفروع – الآيات المدنية – وإنما نسخت آيات الأصول يومئذ لحكم الوقت.. فقد كان الوقت وقت أمة المؤمنين.. وآيات الأصـول تخاطب أمة المسلمين، وهي أمة لم تكن يومئذ.. وإنما نسخت آيات الأصول في معنى أنها أرجئت، وعلق العمل بها فيما يخص التشريع، إلى أن يحين حينها، ويجئ وقتها، وهو الوقت الذي نعيش نحن اليوم في تباليج فجره الصادق.. وإنما من ههنا وظفنا أنفسنا للتبشير بالرسالة الثانية).
3/ ويكرر أنه صاحب (الرسالة الثانية) التي يدعيها بقوله: (حتى نستطيع أن نعقل عن الله ما يحدثنا في القرآن، فإذا وقع هذا الفهم لرجل فقد أصبح مأذوناً له في الحديث عن أسرار القـرآن، بالقدر الذي وعى عن الله، من رسول الرسالة الثانية؟؟ هو رجل آتاه الله الفهم عنه من القرآن، وأذن له في الكلام..).
4/ وليؤكّد محمود محمد طه دعواه الكاذبة أنه صاحب (الرسالة الثانية) فقد ادّعى أن محمداً عليه الصلاة والسلام ليس خاتم الرسل وذلك في قوله:
(ولكن رسول الله قد التحق بالرفيق الأعلى وترك ما هو منسوخ منسوخاً، وما هو محكم محكماً.. فهل هناك أحد مأذون له في أن يغير هذا التغيير الأساسي، الجوهري، فيبعث ما كان منسوخاً، وينسخ ما كان محكماً؟؟
هذا سؤال يقوم ببال القارئ لما سلف من القول.. والحق أن كثيراً ممن يعترضون على دعوتنا إلى الرسالة الثانية من الإسلام لا يعترضون على محتوى هذه الدعوة، بل إنهم قد لا يعيرون محتوى الدعوة كبير اعتبار .. وإنما هم يعترضون على الشكل.. هم يعترضون على أن تكون هناك رسالة، تقتضي رسولًا، يقتضي نبـوة، وقد ختمت النبـوة، بصريح نص، لا مرية فيه.. وإنه لحق أن النبـوة قد ختمت، ولكنه ليس حـقاً أن الرسالة قد ختمت (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله، وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما).
مصدر ما نقلته أعلاه في كتاب بعنوان: (الرسالة الثانية من الإسلام).
وهكذا بكل وضوح وصراحة ودون أن تحتاج هذه النقول إلى تعليق وتوضيح مني لوضوح ضلال ما تضمنته؛ إذ يدّعي محمود محمد طه أنه صاحب (الرسالة الثانية) في الإسلام وأنه مأذونٌ له أن ينسخ ما كان محكماً، ويبعث ما كان منسوخاً.. ولا يخفى أن مؤدّى هذا إبطال شريعة الإسلام وتغيير أحكامها، وِفق ما يمليه ويزينه هواه وشيطانه، فيدعي أنه ينسخ المحكم من آيات الله ويبعث المنسوخ، وهذه نقطة أساسية قام عليها الفكر الجمهوري أكدتها ابنته أسماء (فاطمة) في حلقة تلفزيونية في برنامج (نادي الاعترافات) كما يجرؤ محمود محمد طه على التصريح بأن الرسالة لم تختم!!
وسيأتي في الحلقة القادمة إن شاء الله افتتاحها بتصريحه: أنه نبي الرسالة الثانية..