حكومة حمدوك.. تحديات ومَطلوبات
توقيعات سياسية على دفتر وزراء المرحلة الانتقالية
تقرير: هبة محمود سعيد
عقب انتظار وترقُّب طويلٍ، تمّ أمس الأول الإعلان عن حكومة الفترة الانتقالية برئاسة الدكتور عبد الله حمدوك، إيذاناً ببدء مرحلة انتقالية بحكومة مدنية قوامها 20 وزيراً.
وعلى الرغم من القبول الشعبي والسند الدولي للحكومة، إلا أن جُملة من التحديات تقف في مُواجهتها، تتمثل أبرزها في التحدي الاقتصادي الذي أطَاحَ بالنظام السّابق عقب سُوء الأوضاع وارتفاع الأسعار وزيادة مُعدّلات التّضخُّم وتدني العُملة الوطنية أمام العُملات الأجنبية، فَضْلاً عن تفاقُم الأزمات في الدقيق والوقود، الأمــر الذي أعاد الصفوف إلى الواجهة مُجَدّداً.
وبحسب مراقبين، فإنّ تحديات المرحلة القادمة جسيمة في ظل ما تمر به البلاد من ظرفٍ حسّاسٍ ودقيقٍ، يقتضي وجود قيادة حكيمة وخُطة مُحكمة تعبر بالبلاد إلى بر الأمان.
(الصيحة) وقفت على بعض القراءات السياسية والتوقيعات على دفتر وزراء المرحلة الانتقالية خلال الأسطر التالية:
التحوُّل الديمقراطي.. العقبة الكؤود
حكومة يُعلِّق عليها الشعب السوداني الكثير من الآمال وينتظر بصماتها في إحداث التغيير ونقله من الشعارات إلى أرض الواقع العملي.. بهذه الكلمات ابتدر المحلل السياسي “الكباشي البكري” حديثه لـ(الصيحة)، مُؤكِّداً أنّ التكوين والتشكيل الذي تتضمّنه الحكومة ما هو إلا نتاج الثورة ومولودها الشرعي وأولى مخرجاتها، ولذلك يعول السودانيون الآن عليها كثيراً في إرساء عملية السلام الشامل ووقف الحرب والاقتتال واستيعاب جميع أبناء السودان ومُكوِّناته الاجتماعية والسياسية وبناء نظام سياسي يكون تنوُّعه واختلاف مُكوِّناته لمصلحة السودان وتقدُّمه لا تأخيره، كما يعول عليها في بناء علاقات خارجية واتّباع سياسة خارجية رشيدة تعكس الوجه المُشرق للدبلوماسية السودانية، وقطع في السياق ذاته إلى أنّ طريقها لن يكون مَفروشاً بالورود في ظل العديد من التّحديات الكبيرة التي واجهتها التّجارب الكثيرة حولنا في مسار التّحوُّل الديمقراطي وإقامة دولة الديمقراطية والحريات والقانون، وقال: التّحوُّل الديمقراطي الكامل له عقباته الكؤود التي تحول دوماً بينه وبين من ينشده، وقد تقف الكثير من القوى الإقليمية مُنافحة عن ديمقراطية مُوجّهة ومحروسة وفق معايير ونماذج موجودة الآن في المنطقة العربية، وأضاف: على الرغم من الآمال المعلقة على الحكومة، إلا أن أهم ما ينتظرها من معضلاتٍ هي معضلة الاقتصاد ومعاش المواطن التي تُعتبر الأكبر.
وبحسب “الكباشي”، فإن التسرُّع في الحكم على أداء الحكومة يُعتبر أكبر التحديات، مُطالباً بالصبر عليها وإعطائها القيد الزمني الكافي لإنجاز مهامها الكبيرة، وقال: لقد أصبح الشارع السوداني أكثر تأهُّباً للثورة، وأكثر استعداداً لرفض الكثير من السياسات التي لا تُلبِّي احتياجاته وتنفِّذ ما ينشده من إصلاحٍ.
كنس بقايا النظام السابق
المُحلِّل السياسي د. “صلاح الدومة” أكد في حديثه لـ(الصيحة) أنّ المطلوبات والتحديات أمام حكومة حمدوك كثيرةٌ، لكنها ليست بالمُعقّدة، شريطة توافر النية الصادقة والإرادة السياسية سيما في ظل تمتُّع الحكومة بسندٍ جماهيري وإقليمي، لافتاً إلى أنّ أولى مهام الحكومة الانتقالية يجب أن تبدأ بكنس بقايا النظام السابق من السُّلطة وفي الوزارات، وقال: يجب أن لا نكون مثلهم وتقوم بفصل كل من ينتمي للمؤتمر الوطني مثلما فعلت الإنقاذ عندما جاءت وأحالت كثيرين إلى الصالح العام، ولكن يجب كنس أصحاب المواقف الشاذة وعليهم شبهات الفساد الإداري، وخلاف ذلك نترك الذين ليست عليهم شبهات، وزاد: في اعتقادي ليس بعد إزالة المُشتبه فيهم من السُّلطة شيءٌ يستصعب معه الحل، فكل الأشياء يمكن أن تُصحّح وتأتي تباعاً، ومضى قائلاً: يجب إصلاح الاقتصاد وإيقاف نزيف الأموال التي تُصرف في غير محلها، كما يجب العمل على إعفاء دُيون السودان واستجلاب قُروضٍ ومِنَح وتهيئة البيئة للاستثمار.
الأجندة الحزبية.. مُهدِّد المرحلة
من جانبه، يرى الخبير والمحلل السياسي “عبد الرحمن أبو خريس” لـ(الصيحة) أنّ ملفي الاقتصاد والأمن يعتبران من أهم تحديات الحكومة الانتقالية، تسبقهما كيفية وضع سياسيات واضحة المعالم للمضي عليها.
بعض المخاوف أطلقها أبو خريس حيال استخدام الأجندة الحزبية من بعض الوزراء، الأمر الذي يُمكن أن يَضر بالمرحلة – حد تعبيره، مؤكداً أنّ معايير اختيار الحكومة لم تُبنَ جميعها على التكنوقراط، إنما هي حكومة مُحاصصات حزبية، وقال إنّ هذه الحكومة ليست حكومة تكنوقراط ونتوقّع تدخُّل الأجندة الحزبية في سياسات الحكومة وهذا يُعد أكبر مُهدِّد لها، وأضاف: نحن بحاجةٍ لحكومة تحمل أجندة سودانية تعمل على رفع المُعاناة عن المُواطنين وتهيئة الأجواء المُناسبة لهم وتحسين الأوضاع المعيشية وتهيئة مناخٍ مُناسبٍ لانتخابات قادمةٍ، دون ذلك ستكون مثلها مثل حكومات الإنقاذ السابقة.
تركةٌ مُثقلةٌ من الفقر
وفي الأثناء، يرى المُحلِّل السِّياسي “محمد الخليفة” في حديثه لـ(الصيحة) أنّ مُخاطبة جذور الأزمة وقضايا العدالة وإنصاف المظلومين ومشاكل الشباب والتمييز أحد أهم مطلوبات الحكومة الانتفالية الجديدة، بالإضافة إلى تحسين العلاقات الخارجية، والعمل على عودة السودان إلى مكانه الطبيعي في المجتمع الدولي، مُؤكِّداً أنّ عوامل النجاح موجودة متمثلة في القبول الداخلي والخارجي وكثرة الموارد والاستعداد للتغيير، على الرغم من التركية الثقيلة التي ورثتها من الفقر والمَظالم ومُعسكرات النازحين، وقال: على هذه الحكومة أن تعمل كفريقٍ مُتجانسٍ دُون حُدُوث احتكاكات، سيما أنّ هناك بعض التداخُلات والتقاطُعات بين الملفات، ولذلك يجب أولاً إصلاح الخدمة المدنية لأنها تُعتبر أكبر التحديات التي ستواجههم، وأضاف: إن كانت هناك خُطةٌ مُمتازةٌ من المُمكن أن تهزم بسبب المُوظّفين والسستم الإداري، ويجب على هذه الحكومة تحدي عامل الزمن، لأنّ عمرها بسيط ثلاث سنوات فقط، ولذلك يجب وضع اللبنات، سياسياً واقتصادياً.
تحديات هؤلاء
بالمُقابل، يُؤكِّد أبو خريس أنّ أكثر ثلاث وزارات يُمكن أن تُواجه تحديات هي وزارات: “المالية والخارجية والإرشاد والأوقاف”، ويقول: سيكون من الصعب على وزارة المالية إدارة النقد والسيولة والتخطيط للاقتصاد، ولذلك كنا نتوقّع فصل المالية عن النقد والخزانة لتصبح وزارتين مُنفصلتين، وكل الدول التي نَهضت كانت بسبب فصل المالية عن النقد، وأضاف: أما الوزارة الثانية هي الخارجية التي من المُمكن أن تُواجه بعض المَشاكل خَاصّةً مع الدول العربية عقب إسنادها إلى سيدة، وذلك على اعتبار أننا ما زلنا دول شرقية نُفضِّل التّعامُل مع الرجال، ويمضي قائلاً: بالنسبة للوزارة الثالثة فهي الإرشاد والأوقاف التي أُوكلت مهامها إلى شاب صغير ينتمي إلى طائفة الأنصار، ويصبح التحدي الأكبر أمامه أن يكون على مسافةٍ واحدةٍ من جميع الطوائف في السودان، وزاد: هذا فَضْلاً عن كيفيته إدارة أوقاف السودان في الخارج ومعرفة كيفية استثمارها.
نعرات جهوية وغُبن مجتمعي
تحديات ومطلوبات حكومة حمدوك، أجملها أستاذ العلوم السياسة “إبراهيم الكباشي” لـ(الصيحة) في ثلاثة تحديات هي: “سياسية – اقتصادية – اجتماعية”، مؤكداً على ضرورة التأسيس لقواعد مُمارسة العمل السياسي وترسيخ الديمقراطية والمدنية، إضافةً إلى إعادة الصورة السياسية للسودان في أذهان المجتمع الإقليمي والدولي لأنّها تعتبر شائهةً، كما يجب بناء الدولة وتنزيل الوثيقة الدستورية والإعلان السياسي على أرض الواقع وضخ الدم في مُؤسّسات الدولة وإرساء قيم المُساءلة والمُحاسبة والشفافية، وقال: يجب أيضاً إعادة الثقة في مُؤسّسات الدولة والمُؤسّسات العدلية ورفع الوعي الجماهيري للشباب، وتمتين العلاقات الخارجية كما يجب أيضاً إعادة الثقة في القوات النظامية بما فيها المُؤسّسة العَسكريّة، وزاد: فيما يتعلّق بالملف الاقتصادي، فهناك سقف توقُّعات عالٍ من قِبل المُواطن الذي يتوقّع انخفاض الأسعار مُجرّد تولي الحكومة لمهامها، يجب النظر إليه، كما يجب تحويل اقتصاد الحرب إلى التنمية وإعادة الحياة في المشروعات المُتوقِّفة وعلى رأسها مشروع الجزيرة، ومضى قائلاً: هناك تحدٍ اجتماعي يَكمن في إزالة النعرات الجوية والعمل على رتق النسيج الاجتماعي الذي يجب أن يقوم على السودانية وإزالة الغُبن المُجتمعي .