أخيراً تشكيل مجلس الوزراء.. تحديات في الانتظار
تقرير: النذير دفع الله
أكثر من أربعة أشهر قضاها الشعب السوداني تقرُّباً ومُتابعةً من أجل تشكيل الحكومة المدنية التي ينشدها.. وما بين خلاف الحرية والتغيير، والمجلس العسكري سابقاً، تَوَصّلَ الطرفان أخيراً للتوقيع على الوثيقة الدستورية الشهر الماضي، التي بمُوجبها يتم تشكيل مجلس الوزراء الذي تَأخّرَ كَثيرَاً.. وما بين التّأجيل والتّأخير، تَمّ أخيراً إعلان الحكومة الجديدة وتعيين ثمانية عشر وزيراً يشغلون جل الوزارات الخدمية والسيادية، عدا وزارتين تُركتا خاليتين لمزيدٍ من التنوُّع والتمثيل المناطقي وهما “وزارتا الثروة الحيوانية والسمكية، والبنى التحتية”.
عليه، فإنّ الحكومة التي تمّ الإعلان عنها مساء أمس، تنتظرها جُملةٌ من التحديات والملفات، ولكن برغم المُنتظر والمُتوقّع، فإنّ ارتياحاً عَامّاً سَادَ الشارع السوداني بهذه الخطوة التي تمثل عَهداً جَديداً في تاريخ الدولة السودانية الجديدة ودولة المدنية.
قبل الإعلان
رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك، وقبل الشروع في إعلان التشكيل الوزاري، قال إن تأخير تشكيل المجلس كان لمزيدٍ من التجويد، واعتذر حمدوك عن الخلاف الذي تمّ للجدول الموضوع في تشكيل الحكومة، مُؤكِّداً أنّ ما تمّ هو تمرينٌ بسيطٌ في الديمقراطية وإجراء بعض المُشاورات العَميقة المُرتبطة بالكفاءة وتمثيل النوع، سيما وأنّ النساء كان لهن الدور الكبير في الثورة، بل وكنّ مُتقدِّمات الصفوف على الرجال، وأقر حمدوك أن الثورة كانت متميزة جداً ومُختلفة عن سابقاتها من ثورات، لأنها شملت كل السودان، ومع إعلان التشكيل الوزاري أشار حمدوك الى أنها مرحلة جديدة من مراحل السودان، مبيناً أن هناك تناغُماً كبيراً داخل المجلس السيادي بين المدنيين والعسكر، مشدداً أنّ هذه المرحلة إن أحسنا إدارتها سوف تفتح لنا الطريق لبناء سودان جديد وسودان الخير والديمقراطية وسودان يسع الجميع، وهي أولى مَراحل الفترة الانتقالية من خلال إيقاف الحرب وتَحقيق السلام المُستدام.
الكفاح المُسلّح
وأشاد حمدوك بقيادات الكفاح المُسلّح والجبهة الثورية على التوحد ونجاح مؤتمر جوبا الأخير، فضلاً عن التصريحات التي أدلى بها عبد العزيز الحلو وعبد الواحد في دعمهما للسلام، موضحاً أن الحركات المسلحة شريك أصيل في الثورة، لذلك سنعمل على خلق إمكانية وظرف مُواتٍ لتحقيق السلام، حيث بدأنا عملية التحضير للسلام وتشكيل لجنة مُصغّرة مع المجلس السيادي مع عُضوية مجلس الوزراء في وضع إطار هيكلي لمفوضية السلام، أولى عمليات الإصلاح الاقتصادي من توفير الضروريات وخلق اقتصاد وطني يقوم على الإنتاج، وقال حمدوك: نجدد الالتزام الصارم بقضايا العدالة والعدالة الانتقالية والسياسة الخارجية ومصلحة السودان أولا وأخيراً، والعمل مع الأصدقاء والشركاء لبناء سُودان الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتمثيل العادل والمُستحق للنساء في كل هياكل الدولة، مبيناً أنّ إحسان الإدارة يفتح الطريق لمزيدٍ من الفُرص، مُنادياً بترك فُرصة للشعب السوداني فِي اختيَار مَن يَحكمه.
وزراء ووزارات
مرسوم دستوري رقم 38 لسنة 2016م لتشكيل مجلس الوزراء، ويعمل به من تاريخ التّوقيع عليه، حيث تلا حمدوك عدد الوزراء وهم 18 وزيراً، وترك وزارتين هما “الثروة الحيوانية والسمكية والبنى التحتية” لمزيدٍ من التشاور مع قوى إعلان الحرية والتغيير في ضرورة تمثيل النيل الأزرق والشرق وتُجرى المساعي لملء هاتين الوزارتين.
عليه، كان نصيب عمر حسين منيس لوزارة مجلس الوزراء، بينما الفريق أول جمال الدين عمر لوزارة الدفاع، أما وزارة الداخلية فكان لها الفريق شرطة الطريفي إدريس، بينما وزارة العدل الدكتور نصر الدين الباري، وللخارجية أسماء محمد عبد الله، ووزارة المالية والتخطيط الاقتصادي كان لها إبراهيم أحمد البدوي، ووزارة الصحة أكرم علي التوم، والتعليم الدكتور محمد الأمين التوم، ومدني عباس مدني لوزارة التجارة والصناعة، أما وزارة الطاقة والتعدين عادل علي إبراهيم، والري والموارد المائية ياسر عباس، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية لينا الشيخ محجوب، ووزراة الزراعة عيسى عثمان شريف، أما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي انتصار الزين صغيرون، ووزارة الثقافة والإعلام فكانت من نصيب فيصل مُحمّد صالح، وديوان الحكم الاتحادي يوسف محمد عوض، وأخيراً وزارة الإرشاد والأوقاف نصر الدين مفرح.
الإعلام والانتقالية
بينما تحدّث حمدوك عن أنّ الصحافة ما زالت هي السند الحقيقي، موضحاً أن الفحص الأمني كان من أجل التأكيد أن الشخص المُعيّن غير مُدانٍ في جريمة تتعلّق بالشرف، والأمر الآخر إلا يكون هناك خطر يتعلق بالأمن الوطني، مؤكداً أن الفحص الأمني الذي تم لم يصدر منه أيِّ إزعاج، مضيفاً أن الخدمة المدنية في مجملها هي العمود الفقري والسند لأيِّ برنامجٍ سياسي، مُشيراً الى أنّها تتمتّع بقدرٍ كبيرٍ من الشفافية والاحتفاظ بالتاريخ الماسي، سيما وأن الدولة السودانية ورثت من الإنجليز برنامجاً للخدمة المدنية، ولكنا نطمح لخلق خدمة مدنية نفخر بها جميعاً، وشدد حمدوك على دور الإعلام في المرحلة المقبلة، سيما وأنّ الإعلام كان يعمل في ظل نظام شمولي، بل أشار حمدوك الى أن التلفزيون القومي لم يكن على قدر حقيقي من المهنية، وأن معظم الشعب السوداني غير راضٍ عما قدمه خلال الفترة الماضية، لذلك لا بُد من مناخٍ جديدٍ للإعلام، منبِّهاً أن هناك وقتاً كبيراً قد نفد في تشكيل هذه الحكومة، لأنها لم تكن تمثل النوع والاتجاه، عليه لم يكن من الغريب التأخير من أجل التمثيل الحقيقي لكل السودان وبناء دولة تحترم التعدُّد والتنوُّع.
تمثيل المرأة
بينما كانت جملة من المُداخلات والكلمات كلّها تجَاه تَمثيل ودور المرأة التي نالت مقعديْن من (11) في السيادي، يرى حمدوك أنّه تمثيلٌ قليلٌ ولكنه أفضل مِمّا كان، مُضيفاً أنّ إدارة الولايات تجري الأوضاع الآن في تعيين ولاة بأسرع ما يُمكن، لأنها تمثل أولوية، ولكن حتى اللحظة لم يتم الاتفاق هل ستكون ستة أقاليم كما كان سابقاً أم ثماني عشرة ولاية؟ هذا ما سيقوم بتوضيحه المؤتمر الدستوري لاحقاً، لذلك لا بُدّ من المُناقشة بصورة أعمق وأكبر أيّ النظامين أفضل لحكم السودان، هل هو الحكم البرلماني أو الرئاسي..؟
مُعالجة قصيرة المدى
لم يَنسَ حمدوك، الجانب الاقتصادي، وقال إن هناك خطة قصيرة المدى تم وضعها للمُعالجة الاقتصادية ما بين ستة أشهر إلى عامٍ، يتم من خلاله النظر في الموازنة العامة التي ترتبط بأشياء كثيرة، لذلك فإنّ عملية السلام تمثل التحدي الأكبر، سيما وأن الحرب تأخذ أكثر من 80% من الميزانية العامة، وبتوقُّفها فإنه يعني ذهاب تلك الميزانية للجوانب الخدمية والتعليمية والصحة، ونبه حمدوك أن مبلغ 8 مليارات دولار التي يحتاجها السودان للإصلاح الاقتصادي مُرتبطة مُباشرةً بالاستقرار والسلام لمعالجة الخلل في الميزان التجاري، فَضْلاً عن توفير احتياطي للنقد الأجنبي، مُطالباً بضرورة التنمية البشرية وخلق كادر طبي وتعليمي، وكسر التخلف، مُوضِّحاً أنّ الاختلاف يمثل ظاهرة حميدة، ولكن يجب أن يكون الخلاف بشكلٍ حضاري، فمن حق أيِّ شخص التظاهر وإسقاط الحكومة، ولكن وفقاً للقانون، فَضْلاً عن أنّ الاختلاف مهم جداً للفئة الحاكمة لمزيدٍ من التجويد والعمل بطريقةٍ جادةٍ.