قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!

قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!

الجميل الفاضل

“روجيه غارودي” فيلسوف إشتراكي فرنسي شهير، مثل إعتناقه للإسلام سنة (1982) مفاجأة، وحدثا كبيرا هز أوساط المجتمع الفرنسي والأوروبي، السياسية والثقافية علي حد سواء.

لكن الغريب أن “غارودي”، إعتبر أن السبب الأساسي لدخوله في دين الإسلام، يعود إلي العام (1941)، عندما وقع أسيرا في الجزائر من قبل النازيين الألمان، مع (500) أسير آخرين، فأمر قائد السجن الألماني جنودا جزائريين مسلمين أن يطلقوا النار علي هؤلاء الأسرى، فرفضوا.

فاندهش غارودي لهذا التصرف الغريب، رغم أنه لم يعرف بالضبط سبب مخالفة هؤلاء الجنود الجزائريين لتعليمات قائدهم النازي، هذه المخالفة التي تعد بحد ذاتها جريمة كبري، يمكن أن يدفعوا ثمنها أرواحهم هم أنفسهم.

لكن روجيه لم يجد تفسيرا لهذا السلوك الغريب، الذي ظل سؤاله عالقا بذهنه، الي أن شرح له قائد جزائري التقاه بعد عدة سنوات، أن رفض الجنود لتنفيذ أوامر قائدهم يرجع لتعاليم الاسلام التي تحرم علي المسلم قتل أسراه.

تصور أن هذا التصرف الذي أتي عاديا  وتلقائيا من الجزائريين قد حفر نفسه عميقا بذاكرة غارودي لنحو (41) عاما، ليكون هو مدخله في النهاية الي الإسلام.

فللإيمان بالإسلام شرطان هما: أن يوقر بالقلب أولا، ثم يصدقه من بعد مباشرة وتلقائيا العمل.

وبالضرورة فأن لمثل هذه الأعمال التي تقوم علي تعاليم، وأخلاق، وجوهر الاسلام سحر لا يقاوم، هي هكذا تأسر نفوس الأسري، وتلهم عقول الفلاسفة والمفكرين.

وللحقيقة ليس ثمة دين يحض أتباعه علي إنكار ذواتهم والتخلص من أنانية نفوسهم كدين الإسلام الذي يعظم فضيلة إيثار الآخر علي الذات، حتي لو كان بهذه الذات خصاصة، رغم أن الإنسان قد جبل بطبعه علي شح في نفسه يجب أن يتوقاه، وعلي أنه قد خلق هوعا، جزوعا أمام شر الحادثات والنوازل، منوعا حال أن يغدق عليه بالنعم ويغمر بالخيرات.

إذ ليس ثمة دين يقلص مساحة التفكير الي درجة التلاشي، بين التفكير في الذات والتفكير بالغير.

بل إنه الدين الذي يربط معني إيمانك به بشرط صعب جدا علي النفوس، هو شرط أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك ضربة لازب.

ولعل من أقرب النصوص الأدبية لروح الإسلام في ظني دعوة الشاعر محمود درويش التي أطلقها في صورة قصيدة تقول:

“وأَنتَ تُعِدُّ فطورك،

فكِّرْ بغيركَ

لا تَنْسَ قُوتَ الحمامْ

وأَنتَ تخوضُ حروبكَ،

فكِّر بغيركَ

لا تَنْسَ مَنْ يطلبون السلامْ

وأَنتَ تُسدِّذُ فاتورةَ الماء،

فكِّر بغيركَ

مَنْ يرضَعُون الغمامْ

وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ،

فكِّرْ بغيركَ

لا تنس شعب الخيامْ

وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ،

فكِّرْ بغيركَ

ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام

وأَنتَ تحرِّرُ نفسك بالاستعارات،

فكِّرْ بغيركَ

مَنْ فَقَدُوا حَقَّهم في الكلامْ

وأَنتَ تفكِّر بالآخرين البعيدين،

فكِّرْ بنفسك

قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ”.

أو كما نبه عارف آخر هو الشيخ “جلال الدين الرومي” قائلا: “إذا بدا كل شيء حولك مظلما، أنظر مرة أخري، قد تكون أنت النور”.

علي أية حال، فلنوقد كلنا شموعا هنا وهناك، عوض أن نمضي هكذا في لعن مثل هذا الظلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى