إلى أين سيذهب بنا هؤلاء؟!

إلى أين سيذهب بنا هؤلاء؟!
الجميل الفاضل
ليس السؤال الآن هو سؤال أديبنا الراحل الطيب صالح: “من أين جاء هؤلاء؟”، إنما سؤال هذه المرحلة هو: “إلى أين سيذهب بنا هؤلاء؟”.
لقد وضع هؤلاء الإسلاميون بلادنا اليوم على شفا التمزق والتفكك والتحلل والذوبان، إذ دحرجوا السودان، بمكر وتدبير خبيث شرير، إلى حافة هاوية السقوط المدمر.
على أية حال، أتصور أننا نعيش حالياً حصاد تجربة مُرّة جداً، لخصها في بواكير عهدها الشيخ “أسامة بن لادن” بقوله آنذاك:
“إن ما يحدث في السودان، هو خليط بين الدين والجريمة المنظمة”.
إنها إذن الخلطة السحرية للحركة الإسلامية السودانية، التي تلقي بظلالها وآثارها الممتدة على كافة أوجه حياتنا إلى يومنا هذا.
بل إن سحر هذه الجماعة ربما يتفوق حتى على سحر الملكين “هاروت وماروت”، اللذين قيل إنهما قادران على أن يفرقا بهذا السحر بين المرء وزوجه.
فالحركة الإسلامية التي أغرقت البلاد في وحل حروب لا تنتهي إحداها إلا لتبدأ أخرى، حروب بأغلفة مختلفة، وديباجات من كل نوع.
من حرب دينية جهادية في جنوب السودان، أدت في النهاية إلى انفصاله، إلى حرب أرادوها هذه المرة عنصرية الطابع، جهوية الصبغة، تبرر لهم غاية أن يفصلوا إقليم دارفور هو الآخر كذلك.
على أية حال، فإن لعبة “الإخوان المسلمين” تقوم على مبدأ صناعة خطرٍ ما، لإشاعة المخاوف وتعزيزها بين الناس من وجود هذا الخطر المصنوع أو المصطنع.
إذ لا بد أن يقع في روع الناس، تارةً أن دينهم في خطر، أو أن مصالحهم في خطر، أو أن وجودهم نفسه قد أصبح في خطر أيضاً.
هذا الخطر، الذي كلما أسرفوا في نقر نواقيسه ورفعوا درجاته إلى أعلى مستوى، دخل أهل السودان جميعاً في حالة خوف دائم وتوجس من بعضهم البعض.
فأسلوب صناعة أو زراعة وإشاعة الخوف من الآخر الديني أو الإثني أو المناطقي، هو أسلوب الحركة الإسلامية المجرب؛
“أسلوب فرّق تسد”، ذلك الأسلوب الذي تعلم هذه الحركة أنها لولاه لما بقيت في الحكم لأكثر من ثلاثة عقود.
ولذا، فإن هذه الحركة تلجأ اليوم إلى ممارسة القتل على أساس الهوية بأبشع صور يمكن تخيلها، وتُطبّق ما يعرف بـ”قانون الوجوه الغريبة”، وتنتهج سياسات تمييزية، تحرم بعض السكان من حقوق أساسية؛
كحق التعليم بفرص متساوية، أو حق التنقل والإقامة في أي جزء من البلاد، أو تُعاقب البعض بحرمانهم من الوثائق والأوراق الثبوتية، والعملات التي تتيح التعاملات المالية العادية.
كل ذلك يحدث لتعميق فتوق المجتمع، بما يُهيئ الجميع لتقبل فكرة تقسيم البلاد وتمزيقها إلى أجزاء، أياً كانت صغيرة، بما يكفي أو يتيح لهذه الجماعة الاستمرار في حكم أي جزء من هذه الأجزاء مهما صغر.
وللحقيقة، فكلما ثار في وجه هذه الجماعة السلطوية ثائر شيطنوه، وعمدوا إلى طمس هوية ثورته ومعالمها، قبل التشكيك في شرعيتها، أو عدم الاعتراف بها كثورة تؤسس لشرعية جديدة تنزع عنهم كراسي السلطة، أو على الأقل بالتشكيك في جدواها وفي جدارة قادتها لصناعة حلم التغيير المنشود.
وكلما تمرد على سلطانهم متمرد هدد بتمرده عرش حكمهم برمته، ذهبوا إلى بتر وفصل مناطق سيطرته عن بقية أراضي الدولة، لضمان عدم زوال هذا العرش بكامله على الأقل.
وهكذا دواليك، ظل هذا هو ديدن الحركة الإسلامية.