من سرق منازل المواطنين؟ الدعم السريع أم (جهات أخرى)؟

من سرق منازل المواطنين؟ الدعم السريع أم (جهات أخرى)؟
علي أ حمد
لم يُثِر في نفسي تصريح وكيلة وزارة العدل في حكومة الأمر الواقع، بأن مخازن تحتوي على منهوبات ما تزال موجودة بولاية الخرطوم، أي شجن أو لوعة، لأني أعلم أن من سرقوا أثاثات ومقتنيات المواطنين لم يكونوا جنود الدعم السريع كما يُروّج له في إعلام الكيزان الداعم لعبد الفتاح البرهان.
قالت هويدا (وكيلة وزارة العدل في حكومة البرهان) في تصريحات صحفية أمس، إن والي الخرطوم أفاد وزارتها في تقارير بأن كمية كبيرة من “المنهوبات المتشابهة، مثل: أسطوانات الغاز، والثلاجات، وشاشات التلفزيون، وُجدت في مخازن بالولاية”.
الأغرب من ذلك أن هذه الوكيلة البرهانية قالت بصريح العبارة إن بعض الولايات تعاملت مع هذه المنهوبات والمسروقات كـ”هوامل” – هكذا قالت والله- (أي ليس لها مُلّاك)، وأنها – أي الولايات المعنية – رأت أن يتم بيعها وتُحفظ عائداتها في صندوق التعويضات، وينتظرون الفتوى لبيعها!
هذا التصريح، رغم أنه يجعلك تشعر بالحسرة والأسف، أيضاً يكشف الكثير من التضليل الإعلامي الذي مارسته – ولا تزال- الغرف الإعلامية الكيزانية التي تقود الحرب وتروّج لها، حيث ظل الإعلام المؤيد والداعم للحرب يكرر باستمرار أن أفراد من قوات الدعم السريع هم من يقومون بالسرقة والنهب. لكن حتى الآن لم تظهر أي وثيقة (مثل مقطع فيديو) تؤكد هذا الأمر. بل إن الدعم السريع كان قد أسس لجنة لمحاربة الظواهر السالبة بقيادة لواء، عندما اختفت الشرطة وهرب قائدها إلى السعودية قبل أن يعود إلى بورتسودان بعد أكثر من عام، حيث استضافه البرهان نفسه، مما يشير إلى أن هروبه واختفاء الشرطة تم بأمر من قيادة الجيش لخلق نوع من الفراغ الأمني والفوضى الضاربة.
نعود مجددًا إلى ما حدث، فتصريح هذه المسؤولة الرفيعة في حكومة الأمر الواقع يؤكد أن قوات الدعم السريع لم تنهب منازل المواطنين وتستولي على أغراضهم الشخصية وأجهزتهم الكهربائية، وإلا لكانت قد تم بيعها أو ترحيلها إلى أماكن أخرى. فعامين كاملين من وجود هذه القوات في الخرطوم كافيان للتخلص من هذه الأغراض أو ترحيلها.
دليل آخر على ذلك هو أن جميع المناطق التي انسحب منها الدعم السريع ظلت تتعرض للنهب من قبل أفراد من الجيش حتى الآن. وقد رأينا من الفيديوهات وسمعنا شهادات المواطنين أصحاب المنازل فيما يتعلق بذلك.
لا يخفى على أحد أن جل من سرقوا أغراض منازل مواطني ولايتي الخرطوم والجزيرة كانوا أفرادًا يتبعون للجيش والمستنفرين، بالإضافة إلى جماعات منظمة تنتمي إلى مجموعات عربية تقطن شرق النيل والبطانة، حيث ظلت هذه المجموعات تتولى مهمة السرقة وبيع المسروقات بما يتوفر لها من إمكانيات وسيارات نقل (دفارات) وحماية قانونية. فضلاً عن عشرات، إن لم تكن مئات، مقاطع الفيديو التي أظهرت بعض المواطنين وهم ينهبون منازل جيرانهم الذين غادروا العاصمة هربًا من الحرب. ولقد سمعنا العديد من الشهادات في هذا الخصوص.
هذا لا ينفي – بالتأكيد – أن بعض المتفلتين من جنود الدعم السريع ربما انخرطوا في بعض هذه الأعمال، لكن سرعان ما تم ضبط الأمور وإعادتها إلى نصابها بواسطة لجنة اللواء عصام فضيل. لكن لا هذه اللجنة ولا قوات الدعم السريع كان يمكن لها أن تحول دون حدوث هذه السرقات عقب الإخفاء المتعمد لجهاز الشرطة بأمر من قيادة الجيش.
إن تصريحات هذه المسؤولة الرفيعة قصمت ظهر المُدعين بأن قوات الدعم السريع هي من تولت كِبر عمليات النهب والسلب، وإلا لما تركت ما نهبته في مخازن ومستودعات حكومية بولاية الخرطوم. وهنا يظل السؤال الأهم قائمًا: هل الطريقة التي اقترحتها المسؤولة العدلية للتصرف في المسروقات منطقية وقانونية، أم أنها تتيح لهؤلاء اللصوص و”الشفشافة” الذين يديرون الدولة التصرف فيها وبيعها تحت غطاء قانوني؟
إنهم الكيزان – يريدون بيع المسروقات بحجة وضع عائداتها في صندوق التعويضات الذي لم يُسن قانون له ولم يُنشأ أصلاً، كما أنه لن يتم تعويض أحد، طالما أن اللصوص هم من يديرون هذه الدولة الفاسدة.
لقد انكشف المستور، ومع مرور الوقت ستتضح الحقائق وتنكشف أمام المواطنين، وحينها سيعلمون من الذي شن عليهم الحرب وسرق بيوتهم وشردهم في أصقاع الدنيا.
إن لكل شيء أوانًا.