خبراء:الجيش السوداني يضلل الرأي العام العالمي للإفلات من المحاسبة

يرد الجيش السوداني على الدعوات الدولية لمحاسبة قياداته على انتهاكاتها الممنهجة في البلاد، بإستراتيجية مزدوجة لتضليل الإعلام عبر تصدير روايات مزيفة، تسعى في المحصّلة إل إطالة أمد الصراع.

ويؤكد خبراء في الشأن السوداني أن الجيش يسعى بشكل ممنهج إلى تحويل الأنظار عن الانتهاكات الحقوقية والفظائع الإنسانية الواسعة التي تُرتكب في مختلف أنحاء البلاد، من خلال ترويج روايات مضللة تهدف إلى حرف بوصلة الإعلام والمنظمات الدولية.

كما يستغل الجيش، وهو الطرف الأساسي في النزاع، بحسب الخبراء، المنابر الدولية لتسويق قضايا لا تعكس حقيقة ما يجري على الأرض، في محاولة لتخفيف الضغوط الدولية، والتغطية على حرب خلّفت ما وصفوه بـ”كارثة إنسانية غير مسبوقة”.

ووثقت تقارير أممية استندت لشهادات ووثائق ومقاطع مصورة، ارتكاب الجيش السوداني انتهاكات بحق المدنيين واستخدام أسلحة محرمة دولياً في معاركه ضد قوات الدعم السريع، ما يرقى لتصنيفه “جرائم حرب”، منها استخدامه لأسلحية كيميائية على مناطق مدنية نائية، إلى جانب “تدمير متعمد” لمستشفيات ومدارس وجسور ومنشآت خدمية.

واستدعت تلك الجرائم تنديداً دولياً، كان أحدثها، الصادر عن فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان، الذي أعرب عن فزع بالغ إزاء تقارير موثوقة تفيد بوقوع إعدامات خارج نطاق القانون لمدنيين في عدة مناطق من الخرطوم بعد سيطرة الجيش عليها في مارس الماضي.

وقال تورك “أنا مصدوم بشدة من التقارير الموثوقة عن العديد من حوادث الإعدام بإجراءات موجزة لمدنيين في عدة مناطق من الخرطوم، بدعوى تعاونهم مع قوات الدعم السريع”.

كما وثّقت منظمات ونشطاء سودانيون مستقلون أيضاً انتهاكات منسوبة للجيش، إذ كشفت مجموعة محامو الطوارئ في أواخر مارس 2025 عن وقوع إعدامات ميدانية ارتكبتها قوات الجيش السوداني ضد مدنيين في الخرطوم وجبل أولياء، بدعوى تعاونهم مع قوات الدعم السريع.

وبالفعل أظهرت مجموعة مقاطع فيديو مروّعة أفراداً بالزي العسكري وآخرين بملابس مدنية وهم يقومون بإعدام مدنيين بدم بارد بعد تكبيل أعينهم. وبحسب المحامين، ظهر بعض الجناة في الفيديوهات وهم يبررون أفعالهم بأنهم “يعاقبون أنصار الدعم السريع”.

الأسلحة المحرّمة

وفي أخطر الانتهاكات الموثقة، كشفت مقاطع فيديو وشهادات ميدانية عن استخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية في المعارك، التي دارت رحاها في مناطق سكانية مكتظة، وهو ما نوّهت إليه المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور (هيئة مدنية) في بيان أصدرته في نهاية مارس الماضي، بأنها تشتبه بشكل كبير في استخدام الطيران الحربي للجيش السوداني أسلحة كيميائية في الغارات التي شنّها على مناطق عدة في إقليم دارفور.

كما نقلت صحيفة “نيويوك تايمز” عن مسؤولين أمريكيين دون الكشف عن هوياتهم، أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في مناسبتين على الأقل ضد “قوات الدعم السريع” في مناطق عدة، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى توسيع حظر الأسلحة ليشمل كل السودان بدلًا من دارفور فقط، لكن هذه الدعوات لم تُترجم إلى إجراءات فعلية.

وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان: “الجيش السوداني حوّل المدنيين إلى أهداف.. الوثائق التي بحوزتنا ستكون أساسًا لمحاكمات تاريخية”.

أرقام صادمة

يواجه أكثر من 30 مليون سوداني خطر المجاعة، ويعتمدون على المساعدات التي يحظر الجيش وصولها كـ”سلاح حرب”، وهو اتهام دولي صريح أتبعه فرض الإدارة الأمريكية عقوبات على قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في يناير الماضي، متهمة إياه بلعب دور في زعزعة استقرار السودان وعرقلة الانتقال الديمقراطي للسلطة.

واعتبرت وزارة الخزانة الأمريكية أن القوات المسلحة السودانية تحت قيادة البرهان قامت بشنّ هجمات قاتلة ضد المدنيين، بما في ذلك غارات جوية استهدفت البنى التحتية المحمية مثل المدارس والأسواق والمستشفيات”.

كما رأت أن الجيش السوداني مسؤول أيضاً عن “الحرمان المتعمد والممنهج للمساعدات الإنسانية، واستخدام تجويع المدنيين كسلاح حرب”.

غسل الجرائم

رغم كون الجيش طرفًا رئيسيًّا في النزاع، يصر الجيش السوداني على ترويج رواية مفادها أن الأزمة نتاج “مؤامرات خارجية”، رغم كونه طرفاً رئيسياً في النزاع، في  محاولة لتحويل الأنظار عن تقارير الأمم المتحدة التي تتهمه بـ”ارتكاب 80% من الانتهاكات” في مناطق الصراع.

ويمثل توجه الجيش للمطالبة بتحريك قضية أمام المحكمة الدولية، بحسب خبراء، مناورة لامتصاص غضب دولي متصاعد، خاصة بعد كشف وثائق عن “صفقات سرية” مع أطراف إقليمية أبرزها إيران وروسيا والصين، لتأمين أسلحة عبر وعود بمنح قواعد عسكرية وموانئ لها في السودان بعد الحرب.

وكان موقع “إيران إنترناشيونال” كشف عن معلومات استخباراتية تفيد بأن الحرس الثوري الإيراني  أرسل، في 17 مارس الماضي، شحنة أسلحة إلى السودان عبر طائرة شحن تابعة لشركة “فارس إير قشم”، الخاضعة لعقوبات دولية.

كما يحاول قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، بحسب خبراء، اتهام أطراف خارجية بمحاولة تأجيج الحرب عبر دعم قوات الدعم السريع، إذ وجه اتهامات لعدة دول من بينها مجاورة للسودان، بتدخلها بالحرب لدعم قوات الدعم السريع، فيما تواصل قواته ارتكاب “جرائم الحرب”.

وقدمت منظمة أطباء بلا حدود شهادات ميدانية وتحذيرات من الكارثة الإنسانية المتفاقمة، ووصف كريستوفر لوكير، الأمين العام لأطباء بلا حدود، الحرب في السودان بأنها “حرب على البشر”، مؤكداً أن القوات المسلحة السودانية دأبت على قصف المناطق المأهولة بالسكان بشكل متكرر وعشوائي.

مساعدات إماراتية

وبينما كانت الأزمة الإنسانية التي تسبب بها الجيش تبلغ ذروتها، قدمت الإمارات، كأكبر داعم خليجي للسودان، حزماً إغاثية ضخمة شملت دعم المشافي والمشاريع الزراعية، لكن التقارير تؤكد أن الجيش “عرقل توزيعها” في مناطق معارضة.

ووصلت قيمة ما قدمته الإمارات من مساعدات إنسانية للسودان إلى أكثر من 3.5 مليار دولار، منها 600 مليون دولار منذ بدء الصراع الحالي، فيما اتهمت الأمم المتحدة الجيش السوداني بمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق الصراع، ما أدى إلى تفاقم المجاعة التي تهدد 30 مليون سوداني.

في المقابل حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن استمرار منع المساعدات قد يُحوِّل السودان إلى “أسوأ أزمة جوع في العالم” مع تشريد 12 مليون شخص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى