بين السباق والتأمل.. كيف يُختتم رمضان في ثقافتنا؟

مع اقتراب من نهايته، يتراءى للصائمين بريق العيد بكل ما فيه من بهجةٍ ومسرّة، فيظهر تباين في مواقفهم تجاه الأيام الأخيرة.. وبينما يرى البعض أنها الفرصة الذهبية لتعويض ما فات واستدراك لحظات القرب من الله، يجد آخرون فيها هدنةً ضرورية يبرّرها الاستعداد لاستقبال ، وكأنها فسحةٌ بين زمنين، يتجاذبهما التعبّد والتجهيز للاحتفاء.

وفي هذا السياق، أظهرت دراسات سلوكية أن الأيام الأخيرة من رمضان تشهد تباينًا واضحًا في الأنشطة الدينية والاجتماعية، ما يعكس ازدواجية في التعامل مع هذه الفترة الزمنية المميزة، وهو الأمر الذي يؤثر على مستوى الرضا النفسي.

نهاية السباق أم بداية التأمل؟

يميل بعض الصائمين للنظر إلى العشر الأواخر على أنها المنعطف الحاسم في سباق طويل، حيث تتصاعد وتيرة الاجتهاد، وتتضاعف نوافل العبادات، ويشتد السعي نحو إدراك ليلة القدر، تلك الجوهرة المكنونة التي تتخفى في طيات الزمن.

وكأن الأيام الأخيرة اختبارٌ للروح، حيث يُعيد الإنسان ضبط بوصلته نحو السماء، متأملاً في معنى الصيام، ومتطلعًا إلى أن يكون ممن يُكتب لهم العتق من النار.

وقد أظهرت دراسة أجرتها جامعة الأزهر حول تأثير الأيام العشر الأخيرة على الممارسات الدينية، أن 78% من المشاركين يزيدون من وتيرة صلواتهم ونوافلهم خلال هذه الأيام، مقارنةً ببقية الشهر.

لكن على الجانب الآخر، هناك من تغلبه النزعة الإنسانية الميّالة للفرح.. فيراها محطة للهدوء بعد مسيرة طويلة من الصيام والقيام، وينزاح تركيزهم عن الروحانيات ليصبّ في تفاصيل العيد، بدءاً من تحضيرات الملابس وانتهاءً بترتيبات اللقاءات العائلية.

وتتحوّل الأحاديث من ذكر الله إلى قوائم التسوّق، ومن الدعاء إلى التفكير في ولائم العيد، وكأن الإحساس بالختام يدفع إلى الانشغال بالمظهر أكثر من الجوهر.

وهو ما تؤيده دراسة أخرى نشرتها مجلة “السلوك الاجتماعي والديني” عام 2022، وجدت أن 65% من العائلات في العالم العربي تبدأ استعدادات العيد قبل نهايات رمضان بأسبوع، ما قد يؤثر على تركيز البعض على الجوانب الروحانية في هذه الفترة.

بين التأهب الروحي والتجهيز الدنيوي 

هذه المفارقة بين التعبّد والتجهيز الدنيوي ليست جديدة، بل نجد لها نظائر في محطات تاريخية وثقافية، حيث كان الفقهاء والعبّاد عبر العصور يعتبرون الأيام الأخيرة من رمضان موسمًا لخلوة النفس، فيما كانت الأسواق تشهد ذروة نشاطها وكأنها تستعد لعبور بوابة جديدة في الزمن.

وكأن الإنسان في هذه الأيام يقف بين عالمين، عالم الصيام والتأمل، وعالم العيد والاحتفاء، يحاول أن يحقق توازنًا بينهما دون أن يطغى أحدهما على الآخر.

حيث تُظهر إحصائيات حديثة أن عمليات البحث عن “الاعتكاف” تتضاعف على الإنترنت خلال العشر الأواخر من رمضان، ما يدل على اهتمام متزايد بهذه العبادة رغم الانشغال بالتحضيرات الاجتماعية

كيف يكون العبور؟

في النهاية، يرى البعض أن ليس المهم كيف نقضي هذه الأيام، بل كيف نخرج منها، فهل نحمل منها زادًا روحيًا يعيننا بعد رمضان، أم نصل إلى خط النهاية مستهلَكين في تفاصيل العيد؟.. ربما يكمن الحل في الجمع ما بين البعد الروحاني والاستعداد الدنيوي، بحيث لا يكون العيد قطيعة مع رمضان، بل امتدادًا له في قيمه ومعانيه.

وهو ما يُعتبر أفضل الحلول، حيث أثبتت دراسة نفسية نُشرت عام 2023 أن الذين يخصصون وقتًا متوازنًا بين العبادات والاستعدادات يشعرون برضا نفسي أكبر بعد رمضان مقارنةً بمن يطغى لديهم أحد الجانبين على الآخر

فكيف تعيش أنت الأيام الأخيرة من رمضان؟ هل تسابق.. أم تتأمل؟… أم توازن الكفّة بينهما؟.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى