طرة تحترق… والقتلة في بورسودان يتقاسمون الغنائم على جثث الأطفال

طرة تحترق… والقتلة في بورسودان يتقاسمون الغنائم على جثث الأطفال

عمار نجم الدين

ما حدث في طرة ليس مجرد مجزرة. ليست “واقعة” أو “حادثة مأساوية” كما يقولون في نشرات الأخبار. ما جرى هو جريمة حرب مكتملة الأركان، نفّذتها مليشيات بورسودان العنصرية، تلك التي تسمي نفسها زورًا “الجيش السوداني”، وتحمل علم الدولة بينما تُسقط قنابلها على رؤوس من يفترض أنهم شعبها.

طائرات تُقلع من المطارات الرسمية، بوقود الدولة، وبأوامر من ضباط يحملون الرتب والنياشين، لتقصف سوقًا شعبيًا لفقراء تحت عشرات من خطوط الفقر وليس خطًا واحداً السوق في دارفور مليئًا بالنساء، الأطفال، الشيوخ، الباعة، والعائدين من النزوح. النتيجة؟ أكثر من 400 قتيل. الجثث تفحّمت، دفنت جماعيًا. لماذا؟ لأن من في الخرطوم – أو بالأحرى من في بورسودان الآن – قرر أن دارفور يجب أن تُعاد إلى طاعة المركز بالنار.

لكن الغدر لا يأتي من الطائرات فقط. الغدر الأكبر جاء من أولئك الذين جلسوا إلى طاولة اتفاق جوبا باسم دارفور. أين هم اليوم؟ أين الذين ملأوا الدنيا ضجيجًا عن “قضية الهامش” و”العدالة التاريخية”؟ أين الذين عادوا من ليبيا وجوبا  وتسلّموا الوزارات والمكاتب الفخمة باسم شهداء لم تُعرف أسماؤهم بعد؟ أين الذين قايضوا دم أهلهم بمناصب؟ صمتوا، بل باركوا، وشاركوا في سلطة تنفذ إبادة جماعية جديدة.

هؤلاء ليسوا صامتين فقط، بل متواطئون. وهم يعرفون ذلك. من يجلس في حكومة تُصدر أوامر القصف على أهله ولا يستقيل، هو شريك. من يلبس البزة الرسمية بينما تُقصف بلداته، هو مجرد واجهة تشرعن القتل. ومن يقف أمام الكاميرات يتحدث عن “السلام” بينما الجثث تُدفن جماعية في طرة، هو كاذب ومنافق ومشارك في الجريمة.

هؤلاء لا يختلفون عن القتلة، سوى أنهم لا يقودون الطائرات بأنفسهم. يقودون الصمت، وهو أقسى. يجلسون في مكاتبهم ببورسودان، يتقاسمون السلطة والمال والنفوذ على حساب ركام مدنهم، دماء شعبهم، وجثث جيرانهم. هم اليوم، بكل بساطة، وكلاء للقتل الرسمي.

ثم نأتي إلى المجتمع الدولي. يا له من مسرحية! الأمم المتحدة قلقة. الدول الغربية “تراقب بقلق”. المنظمات تصدر بيانات. لا أحد تحرك. لا عقوبات، لا تحقيق دولي، لا إدانة واضحة، لا شيء. لأن دارفور ليست أوكرانيا. وأهل طرة ليسوا من “الشعوب المهمة”. دمهم لا يساوي سوى بيان بارد في صفحة داخلية من جريدة أجنبية.

أما الإعلام العربي؟ نائم. مشغول بأخبار النفط والبورصة و غزة و مسلسل ( إش إش ) و (سيد الناس) وبطلها أنا البرهان ((بتاعكم)) . لا وقت لدارفور. لا مكان لصورة طفل محترق في سوق طرة على الشاشة. مشاهد المجزرة لم تصل إلى نشرة التاسعة أو العاشرة أو الحادية عشر . لم يسمع بها الناس في العواصم، لأن دم الهامش لا يُبثّ على الهواء مباشرة.

ما جرى في طرة هو رسالة: من أنتم حتى ترفعوا رؤوسكم؟ من أنتم حتى تعيشوا بكرامة؟ الطائرة قالت ما لم يجرؤ السياسيون على قوله: أنتم هدف، وأنكم بلا ظهير، بلا حامٍ، بلا قيمة.

لكننا نعرف من نحن. ونعرف من أنتم.

أنتم من بعتم المبدأ بالكرسي. أنتم من تحالفتُم مع من كنتم تقاتلونه بالأمس. أنتم من تصافحون من قصف أهلكم، وتوقعون معه اتفاقات، ثم تتفرجون وهو يعيد دارفور إلى رماد.

يا سادة، الجثث لا تُنسى. الأشلاء لا تُمحى. هذا الدم لن يذهب هباءً، لا الآن ولا بعد ألف مؤتمر. طرة لن تُمحى من الذاكرة. ودارفور، مهما سكت العالم عنها، لن تسكت عنكم.

عودوا إلى كتبكم، إلى صور توقيعاتكم، إلى لقطاتكم مع “القيادة”. وقارنوا بينها وبين صور سوق طرة بعد المجزرة. ستعرفون أنكم لستم جزءاً من الحل، بل من الجريمة.

وإن بقي لكم ذرة كرامة، فاستقيلوا او ارجعوا الى ثورتكم وإن بقي لكم ذرة شرف، فافضحوا من أمر بالقصف. وإن كنتم مثلهم، فاعلموا أن هذا الدم سيكتب التاريخ من جديد، وليس أنتم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى