غير أني الآن غيري؟! (2)

غير أني الآن غيري؟! (2)
الجميل الفاضل
فقد بدأ وكأن ثور “تأسيس” الأسود قد غادر الغابة برمتها قبل أن يفترس على الطريق، بعد أن رأى كيف أكل الوحش المخاتل ثور “نيفاشا” الأبيض في رابعة النهار، وبعد أن التهم بلا رأفة ثور “الوثيقة الدستورية” الأحمر.
لكن تبقي حقيقة لابد منها هي: أن رياح التغيير تجري في غالب الأحيان بما لا تشتهي سفن من يرغبون في جمود أية أوضاع قائمة علي ما هي عليه.
وبالتالي فإن للتغيير -أي تغيير- قانون يرتب مراحله، يقوم على قاعدة تقول: إنه يجب أن نغير نحن أولا ما بأنفسنا، قبل أن ننتظر أن يغير الله ما بنا دون فعل.
إذ أن المقدمات هي التي تقود في كل الأحوال إلى النتائج لا العكس.
على أية حال، فقد بدأ لافتا أن فريقاً قد خطأ في نيروبي الخطوة الأولى، نحو حفز كافة طاقاته الكامنة بغية تفجيرها دفعة واحدة، بوجه هذا الوحش الذي ظل يقبض ويتحكم في مقاليد أمور البلاد منذ خروج المستعمر وإلى يومنا هذا، معتمداً في الإحتفاظ بأسباب تفوقه وعوامل سيطرته المتطاولة، على النظرية الاستعمارية التقليدية، نظرية “فرق تسد”.
بل أتصور أن مجرد التقاء إرادة كل هذه القوى التي تكون منها “تحالف السودان التأسيسي”، على ما بينها من تباينات بل ربما من غبائن ومرارات، حول هدف مشترك واحد، هو كسر هيمنة هذه النخب المدنية والعسكرية التي ظل حكم البلاد دولة بينها منذ فجر الاستقلال، هو تطور نوعي ضخم ربما يمثل بحد ذاته نقلة هائلة ومنعطفا كبيرا سيشكل بالضرورة علامة فارقة في تاريخ الصراع السياسي بالسودان.
فالتاريخ يصنعه أمل، من يؤمنون بإمكانية الإنبعاث من الرماد مهما تطاول بهم أمد وشدة الحريق.
هم هكذا يقتربون أكثر من الحقيقة كلما أحترقت أجنحتهم، كما تفاءل الشاعر محمود درويش بقوله:
سأَصير يوماً ما أُريدُ
سأصير يوماً طائراً
وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي
كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ
اقتربتُ من الحقيقةِ،
وانبعثتُ من الرمادِ.
-ونواصل-