لص حقير بدرجة وزير!

لص حقير بدرجة وزير!
علي أحمد
وصوت الرصاص ما يزال يُلعلع، وصوت المدافع يدوي، والدماء لم تجف بعد، وأرواح الشهداء تُحلق، والدموع تسحّ مدرارًا لا تتوقف، والمعركة لم تنتهِ بعد، وبعض القتلى لم يُكرَّموا بالدفن، إذ ما تزال رفاتهم ملقاة على قوارع الطرقات والتواءات الأزقة. ولم يعد الناس إلى بيوتهم، لكن جبريل لن ينتظر، وكأن لديه تفويضًا من الله— تعالى الله وتنزه عن ذلك—ببيع كل شيء.
اقرأ هذا الخبر: “قالت الشركة المصرية الألمانية لتشغيل المعادن وصهر السيارات إنها قامت بتوقيع أكبر صفقة وعقد مع وزارة المالية والاقتصاد الوطني في السودان، باستلام ما يُقدّر بأكثر من مليون طن من حديد السيارات المُدمَّرة بالطرق والمركبات العسكرية التالفة”.
وأضافت الشركة “أن وزارة المالية بالسودان شرعت في حصر الحديد والسيارات المُدمَّرة في مراكز متعددة بالعاصمة، وقال مدير إدارة البلاغات إن بلاغات فقدان السيارات لا تتجاوز (ألف) سيارة، بينما السيارات الموجودة على الطرق والأحياء تفوق العدد والتصور وتشوه منظر العاصمة الحضاري.”! – وعلامة التعجب من عندنا.
قبل كل شيء، لا بد أنكم قد لاحظتم اسم الشركة المستوردة – دع عنكم وصف (ألماني)، فليس هناك ما هو ألماني سوى الماكينات، كما جرت العادة – ودققوا في اسمها الحقيقي (الشركة المصرية)، ولا ريب، ومن يبحث سيجد خلف كل: اقتتال، دمار، خراب، وتزوير، تزييف، موت ، وسرقة تحدث في السودان، هناك دائما ثمة مصر/مصري. هذا الأمر ليس وليد هذه الحرب، والتي هي نفسها نتيجة مؤامرة مصرية على السودان، بمساعدة عملائها من العسكريين والسياسيين. وهو أمر قديم، حيث أسست مصر حزبًا سودانيًا للاتحاد معها، قبل أن تفشل فكرة الاتحاد، فيتحول إلى حزب للخنى والخيانة. كان ذلك قبل تأسيس حزب الإخوان الخونة الأكبر، مؤتمرهم غير الوطني!
يسابق جبريل إبراهيم، وزير مالية حكومة بورتسودان وأكبر لصٍّ في منصب رسمي عرفه تاريخ البلاد القديم والحديث، يسابق الزمن للاستحواذ على سيارات وممتلكات المواطنين، إذ وضح الأمر تمامًا مع تصريح مدير إدارة البلاغات المشار إليه أعلاه. وبالتالي، يحاول وزير المالية (التكويش) على سيارات المواطنين، كي يمنع ملاكها —متى ما عادوا بعد توقف الحرب— من فحصها واتخاذ القرار بشأنها: هل تصلح أم لا؟ فهو يريد بيعها كخردة ليأخذ “المعلوم” لمصلحته الشخصية، بينما يترك الفتات لحكومة بورتكيزان، كما يفعل دائمًا عند كل بيعة وصفقة!
وكما هو معلوم في هذه الحالة، فإن مالك السيارة هو الجهة الوحيدة المخوَّلة لها قانونيًا اتخاذ القرار بشأن سيارته، وتحديد مقدار التلف الذي لحق بها، وهل هي قابلة للاصلاح أم يتنازل عنها لوزارة مالية جبريل؟ لكن أن يأتي (جبريل) بليلٍ، ويتسلل كلصٍّ منازل بين الجثث الملقاة في الشوارع وزخات الرصاص، ويستولي على سيارات المواطنين دون أن يمنحهم حق إلقاء نظرة أخيرة على ممتلكاتهم، توطئةً لبيعها لشركة مصرية، فإن هذه لعمري من أكبر عمليات السطو والسرقة في تاريخ البشرية.
لم تنتهِ فضيحة سرقة ممتلكات الدولة (كابلات النحاس) حتى شرع وزير المالية (شيخ الحرامية) في سرقة ممتلكات المواطنين، بل وعقد صفقة مع شركة أجنبية لبيعها (مليون طن من حديد السيارات التالفة)، دون أن يشكِّل لجنة متخصصة معلنًا عنها بالأسماء ومنشورة في الجريدة الرسمية، لتحدد حالة السيارات، ما إذا كانت تالفة أم لا؟ فلا يمكن أن يقرر وزير مالية بورتسودان نيابة عن الملاك أن جميع السيارات التي في الخرطوم تالفة! هذا لا يصدقه أحد ولن يصدقه أحد.
فهل هذه هي الطريقة الصحيحة؟، لكن للصوص أساليب وطرقًا أخرى، مثلما يفعل جبريل إبراهيم—أكبر سارق خردة في البلاد، من هياكل المصانع الحديدية إلى أسلاك الكهرباء، إلى كابلات النحاس، إلى السيارات المدنية والعسكرية، بما في ذلك الدبابات والرصاص والدانات الفارغة… وعلى المواطنين أن يلحقوا بالمقابر، فربما باع هذا اللص موتاهم وسوَّى المقابر بالأرض، وبنى عليها قصورًا قبل أن يصل أحد إلى الخرطوم.
ثم لماذا العجلة في السرقة؟ هل توقفت الحرب وتوقف الخراب والتدمير، ولن تكون هناك بعد اليوم سيارات مدمرة في الشوارع مرة أخرى؟
ولك أن تعلم، عزيزي القارئ، حتى لا تهوِّن من الأمر، أن كيلو الحديد الخردة يساوي في مصر 49 جنيهًا، أي ما يعادل دولارًا واحدًا. وبالتالي، فإن سعر الطن 1,000 دولار، وهكذا يصبح سعر مليون طن من خردة الحديد مليار دولار .. إنها مصر، أخت بلادك الشقيقة!
صدق حميدتي عندما ناداه في خطابه الأخير بـ اللص جبريل، إنه كذلك، بل هو أسوأ من ذلك، فحتى اللصوص لديهم شرف وقواعد وحدود، أما هذا فلصٌّ حقير، لا شرف له، ولا حدّ يحدّه، ولا رادع يردعه! سرق حتى حديد (البالوعات)، والأدهى والأمر، انه وإخوانه يطالبون بتطبيق دولة الاسلام في بلادنا من داخل عفونة هذه القاذورات!