مالك عقار: بين نضال الأمس وخيانة الشعب الجنوب سوداني
عمار نجم الدين حسين
“ليس أشد على المرء من أن يرى رفيق دربه يبيع ما قاتل من أجله، ويدوس على دماء الشهداء مقابل حفنة من الفتات.”
التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، والمبادئ لا تباع كما تباع المناصب. من كان بالأمس ينادي بالتحرر، ويحمل السلاح من أجل كرامة شعبه، أصبح اليوم جزءًا من آلة القمع، لا بل تخطى دوره في التواطؤ إلى دور أشد قبحًا: خيانة الرفاق وتسليم السلاح لخصوم الأمس من أجل مكاسب اليوم. مالك عقار، الذي حمل لواء النضال تحت راية الحركة الشعبية، أصبح اليوم شريكًا في الجرائم، بل فاعلًا أصيلًا في تصدير الموت والتآمر ضد شعب جنوب السودان الذي كان يومًا جزءًا من تاريخه النضالي.
لقد بدأ الأمر حين اختار مالك عقار أن يكون نائبًا للبرهان، متجاهلًا الدماء التي أهرقتها حكومته في كل بقاع السودان، مكتفيًا بالمناصب والامتيازات التي يتيحها له تحالفه مع الإسلاميين الذين لطالما ادّعوا العداء لهم. لكن لم يقف عند هذا الحد، بل تجاوز الصمت إلى الفعل، وصار جزءًا من عمليات التهجير القسري لمواطني جنوب السودان من الجزيرة، حيث يتم التعامل معهم كالحيوانات، دون أي احترام لإنسانيتهم أو كرامتهم.
كان السكوت على جرائم النظام ضد الجنوبيين جريمة كبرى في حد ذاته، لكن عقار تجاوز ذلك ليصبح أداة في يد الإسلاميين لتنفيذ أجندتهم ليس فقط في السودان، بل داخل دولة جنوب السودان نفسها. لقد بات اليوم متورطًا في تسليح المعارضة الجنوبية داخل ولاية أعالي النيل، وتمرير السلاح إليها عبر طائرات هليكوبتر فاقت الثمانية رحلات محملة بالسلاح بدأت تلك الشحنات تصل الى الأراضي الجنوبية في بداية شهر مارس ، في صفقة قذرة يكون فيها السلاح مناصفة بين “الجيش الأبيض” وبعض الفصائل المسلحة في أعالي النيل ، بينما يحصل عقار وحلفاؤه في الخرطوم مقاتلين يتم إدخالهم إلى السودان واستخدامها في معركتهم ضد قوات الدعم السريع و الحركة الشعبية لتحرير السودان / شمال مقابل ذلك السلاح الذي يعين المعارضة الجنوبية في معركتها ضد شعب جنوب السودان .
إن أخطر ما يفعله مالك عقار ليس مجرد تورطه في تجارة السلاح، وإنما استغلاله للأوضاع الأمنية الهشة في جنوب السودان لصالح أجندة الإسلاميين في السودان. فهو، الذي يفترض أن يكون حليفًا لسلفاكير، أصبح اليوم يسلّح المعارضة ضد حكومة الجنوب، ليزرع بذور الفوضى في وطن كان جزءًا من نضاله، ويسهم في تقويض استقراره في لحظة حرجة.
إن ما يقوم به مالك عقار ليس فقط خيانة لمبادئ النضال المشترك، بل هو انحدار إلى درك لا قاع له. لقد انسلخ تمامًا عن كل ما كان يمثّله في السابق، ورضي بأن يكون مجرد بيدق في يد الإسلاميين في بورسودان، ينفذ لهم مهامهم القذرة مقابل أن يحتفظ بكرسيه.
إنه النموذج الأسوأ لمن ينقلب على قضيته، ويتحوّل من قائد ثوري إلى متواطئ في مشاريع التدمير، لا فرق بينه وبين أولئك الذين باعوا السودان للإسلاميين بالأمس، والذين يبيعونه اليوم من جديد.
قد يكون لكل خيانة ثمن، لكن بعض الخيانات لا تُغتفر، وبعض الانحرافات لا يمكن تصحيحها. مالك عقار اختار أن يكون في الجانب الخطأ من التاريخ، وحين يفقد المرء بوصلته الأخلاقية، يصبح كل شيء مجرد لعبة من أجل البقاء. لكن الشعوب لا تنسى، والتاريخ لا يمحو سطور الخيانة، حتى وإن كُتبت بحبر المناصب والذهب.